منطق التبليغ والإعلان: كيف يعزّز المغرب سيادة القانون ويسرّع مسار العدالة

ذ.اسليماني مولاي عبد الله

ذ.اسليماني مولاي عبد الله
في ظلّ التحوّل القضائي الذي يعيشه المغرب، تولي الدولة الرشيدة اهتماماً متزايداً بمسار التبليغ القضائي وآليات إعلان الأحكام، كأحد المفاصل الأساسية لضمان المحاكمة العادلة وفعالية القضاء.
وفي هذا الصدد، تطلَب منظومة التبليغ – بما فيها دور القَيِّم – تجديداً تشريعياً ومؤسساتياً، ما يضع هذا المجال في صلب أولويات الإصلاح القضائي المغربي خلال سنة 2025.
إن التبليغ القضائي ليس إجراءً شكلياً بحتاً، بل هو مدماك لحق الدفاع وللمواجهة بين أطراف النزاع، كما ينصّ على ذلك المشرّع المغربي في قانون المسطرة المدنية، الذي أبرز أنه لا يمكن توجيه إجراءات أو أحكام ضد شخص ما ما لم يتم تبليغه وفق الأشكال القانونية المحدّدة سلفاً. في هذا السياق، نصّ الفصل 37 من قانون المسطرة المدنية على أن التبليغ يُوجَّه «بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط، أو أحد أعوان القضاء، أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، أو بالطريقة الإدارية”.
أما في ما يتعلق بدور القَيِّم، فقد أحال المشرّع في الفصل 441 من القانون نفسه إلى آليات تبليغ خاصة تنتظر الإعلان في لوحة المحكمة مدة 30 يوماً، مما يستدعي إشرافاً دقيقاً وضماناً أكبر لحقوق الأطراف.
ومن جهة المؤسسات، يُعدّ وزارة العدل المغربية والمرفق القضائي المرتبط به من أبرز المحركات في هذا التطوير، عبر تشجيع مهنة المفوض القضائي وتنظيمها، وتمكينه من مهمة التبليغ، إذ ينصّ القانون المنظم لـهيئة المفوضين القضائيين على اختصاصه في تبليغ الاستدعاءات، الإنذارات والمذكرات القضائية وفق الشروط القانونية.
وفي سنة 2025، تشهد المنظومة المغربية مجموعة من المستجدّات التشريعية المرتبطة بمراجعة قانون المسطرة المدنية عبر مشروع قانون رقم 02.23، الذي تناوله تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في دورته التشريعية الثالثة، ويعكس إرادة الدولة المغربية في تحديث منظومة المساطر القضائية لتواكب مُتطلّبات العدالة والاقتصاد والعصر الرقمي.
إن هذا التجديد الظاهر على مستوى التشريع يعكس توجّهاً استباقياً للدولة المغربية لتعزيز الحوكمة القضائية وسرعة إنجاز الدعاوى، إذ تُعدّ سرعة التبليغ وانطلاق الآجال القضائية من أهم المقوّمات لتقليص آجال التقاضي، وتحفيز الثقة في المنظومة القضائية. فقد بينت الدراسات أن تأخر التبليغ يؤدي إلى بطء في حسم النزاعات، بما يمسّ بحقوق الأطراف ويؤثّر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع.
ومع هذا، فإن المسؤولية الكبرى تقع على كاهل القَيِّم (أو ما يُعرَف في التشريع المغربي بـ «القيم»)، وهو الشخص المُعيَّن من طرف المحكمة لأداء إجراءات التبليغ أو التنفيذ الجزئي. وقد أكّدت مقالات تحليلية أن التبليغ للمحكوم عليه يتم حسب الشروط المنصوص عليها في الفصل 54 من قانون المسطرة المدنية، حيث يُرفَق التبليغ بنسخة مصادق عليها من الحكم، ويراعى فيه احترام شروط الفصول 37 و38 و39 أثناء التبليغ إلى القيم.
إنّ الدولة المغربية، في إطار استراتيجيتها لإصلاح القضاء، شرعت في تعزيز البُنى القانونية وتدريب الموارد البشرية القضائية والإدارية، وتطوير منظومة التبليغ القضائي كمكوّن من مكونات الأمن القضائي والاقتصادي.
فعملية التبليغ السليمة تُعدّ شرطاً لمُباشرة التنفيذ وللطعون في الأحكام، ولا سيما ما يتعلق بالحكم الصادر في حق الغيابيين أو عبر القيم، إذ يشترط تعليق التبليغ على اللوحة المخصّصة بالمحكمة لمدة ثلاثين يوماً حتى تبتّ المحكمة في الطعن أو النقض.
ان منظومة التبليغ القضائي في المغرب تُعدّ ركيزة أساسية لاستقرار النظام القضائي والحفاظ على الحقوق، والدولة المغربية قدّمت خلال السنوات الأخيرة إرادة قوية لتعزيزه، ومن خلال مراجعة التشريع سنة 2025، ترسي الآليات الكفيلة بتعجيل المساطر وتحقيق محاكمة عادلة فعلياً. ومع استمرار هذا الاعتناء القضائي، تزداد الثقة في القضاء المغربي كركيزة سيادة القانون والتنمية.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد