هبة زووم – أحمد الفيلالي
في مشهد يعكس تآكلاً مقلقاً في جسور الثقة بين جهاز التفتيش والمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بسطات، فجّر المكتب الإقليمي لمفتشي التعليم قنبلة نقابية جديدة من خلال بيان مطوّل، حمّل فيه المدير الإقليمي مسؤولية ما اعتبره “انسداداً بنيوياً” في آفاق الإصلاح، متهماً إياه بالوقوف وراء عرقلة المبادرات التربوية، والتضييق على الكفاءات، وشرعنة مناخ بيروقراطي يهدد الاستقرار المهني والتربوي داخل الإقليم.
البيان الذي جاء عقب اجتماع تقييمي عُقد في فاتح يونيو 2025، لم يكتفِ بالتشخيص، بل مضى بعيداً في تحميل المسؤوليات، مشيراً إلى ما سماه “قمعاً مفضوحاً” لمبادرات رئيس مصلحة تأطير المؤسسات التعليمية والتوجيه، خلال امتحانات الباكالوريا الأخيرة، وذلك عبر ما وصفه بـ”تفتيش يدوي مفرط” أربك المترشحين وأخرج مراكز الامتحان عن سياقها التربوي.
المفتشون وجّهوا اتهاماً صريحاً للمدير الإقليمي بتبني أسلوب إقصائي ممنهج تجاه الهيئة، يتجلى في رفضه استقبال ممثلها الشرعي، في ما اعتبروه “خرقاً سافراً للفصل الثامن من الدستور المغربي”، القاضي بضمان الحق في التنظيم والحوار.
هذا الرفض، وفق البيان، لا يُعد فقط موقفاً شخصياً، بل يُجسّد توجهًا عاماً نحو تقويض أي مبادرة إصلاحية خارج جدران التراتبية الإدارية، ما أدى إلى “شلل عملي” في البرامج الموجهة للارتقاء بجودة التعليم.
وحسب التقرير النقابي، فإن تدبير الملفات التربوية بالإقليم يوصف بـ”العبثي”، حيث تغيب الحكامة البيداغوجية والقدرة على المواءمة بين القرارات المركزية والواقع الميداني، ما عمّق الفجوة بين الإدارة والممارسين التربويين.
وقد أشار البيان إلى سلسلة من الانزلاقات، أبرزها “إصرار مريب” على إشراك نفس الأطر المثيرة للجدل ضمن لجان مراقبة الامتحانات، رغم صدور بيانات سابقة تحذّر من سلوكياتها داخل مراكز الامتحان.
وعلى عكس الشعارات الرسمية المرفوعة بشأن محاربة ظاهرة الغش، أشار المكتب الإقليمي إلى أن التعاطي مع هذه الظاهرة يظل شكلياً وزجرياً، دون أي بعد تربوي أو تحسيسي.
كما نبه البيان إلى أن “عجز المديرية عن بلورة استراتيجية بديلة” هو ما جعل من امتحانات الباكالوريا محطة لتفريغ التوترات لا آلية لقياس التعلمات.
وعاد المكتب ليطرح السؤال الجوهري حول مدى تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، في ظل استمرار من وصفهم بـ”صنّاع الإخفاق” في مهامهم دون مساءلة، رغم تراكم الاختلالات وسيل البيانات النقابية الصادرة منذ تولي المسؤول الإقليمي الحالي مهامه.
وفي شق آخر من البيان، لم يغفل المفتشون التذكير بما اعتبروه تماطلاً غير مبرر في صرف مستحقاتهم المالية رغم التأطير القانوني الواضح لها، معتبرين أن هذا “التسويف المقصود” يدخل في إطار سياسة تركيع الهيئة وإضعاف مكانتها داخل المنظومة، داعين إلى الإفراج الفوري عن هذه المستحقات.
واختُتم البيان بدعوة موجهة إلى الأكاديمية الجهوية للدار البيضاء–سطات لفتح تحقيق جدي حول “الخروقات المتكررة” داخل لجان امتحانات الباكالوريا، واتخاذ الإجراءات اللازمة في حق من وصفتهم بـ”العابثين بمصير التلاميذ والمنظومة”.
كما وجّه المكتب الإقليمي نداءً مفتوحاً إلى كل الهيئات النقابية والمجتمعية بالإقليم، من أجل تكتل جماعي يضع “المدرسة العمومية” في قلب أولوياته، ويرفض كل محاولات تزيين الوضع القائم أو تحويله إلى ريع إداري يخدم المصالح الشخصية لا المصلحة العامة.
في خضم هذا التوتر، تبقى أعين الفاعلين التربويين والحقوقيين شاخصة نحو وزارة التربية الوطنية والأكاديمية الجهوية، في انتظار موقف حاسم يعيد الاعتبار للمنطق المؤسساتي، ويفكك معادلة الصمت الرسمي أمام صرخات الغليان المهني المتواصل بإقليم سطات.
تعليقات الزوار