هبة زووم – الرشيدية
في الرشيدية الحبيبة، الذهاب إلى الإدارة أصبح شبيهًا برحلة استكشافية خطيرة، لكنها لا تكشف عن كنوز، بل عن متاهات بيروقراطية وأوراق لا نهاية لها.
المواطن، البطل الصامت في هذه المغامرة، يرفع رأسه باحترام عند باب المكتب، ليجد نفسه فورًا متهمًا حتى إشعار آخر، رغم أن كل ما في يده هو نسخة من بطاقة التعريف، أو طلب بسيط، أو مجرد رغبة في إنجاز معاملة لا تستحق كل هذا العناء.
يمكن القول إن الإدارة بالراشيدية، بكل ما فيها من متاهات، لم تفقد روحها الإنسانية تمامًا، لكنها بالتأكيد فقدت قليلًا من الكرامة، وربما لم يبق سوى إحساس عميق بالسخرية المحببة لكل من يجرؤ على مواجهة ملفاتها.
المواطن هنا ليس مجرد طالب خدمة، بل بطل يومي يعيش بين الختم والتوقيع والورقة الضائعة.. حتى إشعار آخر، أو حتى نهاية المطاف.
تخيل معنا، أن تدخل مكتبًا حكوميًا، فتستقبلك ابتسامة موظف يذكرنا بحارس بوابة الكنوز القديمة، ثم يُخبرك في أفضل الحالات بأن الملف ناقص الملف؟ نعم، الملف الذي كنت تعتقد أن كل المستندات موجودة فيه.
يُعاد إليك، كما لو كنت مذنبًا، مع قائمة مطولة من الوثائق التي لم تكن تعرف أنك بحاجة إليها، شهادة ميلاد الجدّ الأكبر، وثيقة تثبت أن جدتك كانت تحب الورد، أو تصريح بالشرف من العصفور الذي يعيش في حديقة البيت!
الغريب في الأمر كل شيء في الرشيدية أصبح باهض الثمن إلا الوقت لا ثمن له فهو الموجود هنا بوفورة، حيث كل ما أردت الاحتجاج عن بطء المعاملات إلا وأشهرت في وجهك الكلمة السحرية: “أشنو تابعك كاع أولد سيادي.. سير حتى لغدا ورجع راه ما كاين ما يدحا”.
والأغرب من كل هذا أن مسؤولي القطاعات الحكومية بالإقليم غائبون عن ما يقع، حيث اعتمدوا توقيتا غريبا في العمل، فبداية الأسبوع تبدأ من يوم الثلاثاء وتنتهي عند الخميس، حيث يغادرون هذه المدينة المنكوبة مساء الخميس في اتجاه بيوت عائلاتهم بالمغرب النافع، وعندما تسأل عنهم يكون الجواب المعجزة “إنهم في اجتماع بالولاية”.
هنا تظهر مأساة الكرامة الإدارية الضائعة. كل خطوة، كل توقيع، كل ختم، يتحوّل إلى تحدٍّ بطولي يحتاج إلى قوة صبر فوق البشر، وربما بعض الحظ للتغلب على تلك التحديات الغامضة.
المواطن يمشي بخطى حذرة بين المكاتب، يحمل أوراقه كأنها مفاتيح لإنقاذ العالم، وفي قلبه سؤال واحد ، هل أنا هنا طالبًا للخدمة أم متهمًا بارتكاب جريمة لم أفعلها بعد.
اليوم، على الوالي سعيد زنيبر أن ينهي هذه المهازل، خصوصا رؤساء المصالح الذين يستغلون الاجتماع باسمه للهرب من مسؤولياتهم، فما يحدث لم يعد يطاق، وأي مسؤول لا تعجبه مدينة “الله يعمرها دار” فما عليه سوى الرحيل منها غير مأسوف عليه، وغير ذلك لا يكون سوى ضحك على ذقون الرشداويين.
تعليقات الزوار