الرشيدية رهينة لوبيات الغلاء وسط صمتٍ رسمي مريب

محمد خطاري

محمد خطاري
في الوقت الذي تعاني فيه الرشيدية من أزمة اقتصادية خانقة تجاوزت ثلاث سنوات، وبينما تنتظر الساكنة أن تبادر الجهات المسؤولة إلى التدخل لإنقاذ الوضع، يخرج الواقع بوجهه القبيح، كاشفًا عن هيمنة لوبيات محلية على السوق، وتحديدًا على تجارة الخضروات والفواكه، التي تحوّلت من سلعة معيشية أساسية إلى أداة للربح الفاحش على حساب قوت المواطن.
إن ما يقع اليوم في الرشيدية ليس مجرد اختلال اقتصادي عابر، بل هو نموذج صريح لسيطرة المصالح الضيقة على الاقتصاد المحلي، تحت أنظار السلطة، وبمباركة الصمت المريب للمجالس المنتخبة.
فأسعار الخضر والفواكه تشهد ارتفاعًا غير مبرر، رغم توفر سوق الجملة، الذي من المفترض أن يعزز المنافسة ويكبح جشع المضاربين. لكن ما نراه اليوم هو عكس ذلك تمامًا: جودة متدنية، أسعار ملتهبة، وعرض خاضع لحسابات مافيوزية هدفها الأوحد: الربح السهل والسريع.
الواقع المؤلم أن هذه الوضعية الشاذة لم تكن لتستمر لولا غياب الرقابة الجادة وتخلي المجلس الجماعي والسلطات المحلية عن دورهما الحقيقي.
لا شرطة إدارية تؤدي مهامها، ولا قسم اقتصادي يراقب الأسواق، ولا مسؤولون يتجاوبون مع صرخات المواطنين. وكأننا أمام مشهد من التواطؤ الصامت، حيث تغيب المحاسبة ويُترك المواطن وحيدًا في مواجهة جشع لا يرحم.
في الماضي، كانت الرشيدية مدينة تنبض بالحياة، تسعى إلى تحقيق تنمية محلية متوازنة، وتعمل على تحسين ظروف عيش سكانها. أما اليوم، فقد أصبحت رمزًا لتغوّل المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة.
تغوّل يتغذى من غياب الشفافية، ومن ثقافة الإفلات من العقاب، بل ومن استغلال نفوذ اقتصادي وسياسي يُدار من خلف الستار.
هل من المقبول أن يستمر هذا الوضع دون محاسبة؟ هل ننتظر أن تنهار القدرة الشرائية تمامًا حتى تتحرك الجهات المعنية؟ أم أن ما يحدث يُدار بأدوات متواطئة مع من يُفترض فيهم أن يحموا الساكنة من تغوّل اللوبيات؟
إن المسؤولية هنا مشتركة، لكنها تبدأ من أعلى الهرم المحلي: عامل الإقليم، المجلس الجماعي، المصالح الاقتصادية، وكل جهة تمتلك سلطة التدخل ولم تفعل.
إنهم مطالبون بتحمّل مسؤولياتهم الأخلاقية والسياسية. ومطلوب اليوم، وليس غدًا، فتح تحقيقات نزيهة حول هذه الاختلالات، ومعاقبة من يقف وراء هذا الواقع البائس.
السكوت عن هذه الأوضاع جريمة في حد ذاته، وهو تواطؤ معلن إن لم يتبعه تحرك حازم. الرشيدية اليوم ليست فقط مدينة تعاني الغلاء، بل مدينة مختطفة من طرف لوبيات قررت أن تستثمر في فقر الناس، في زمن تغيب فيه الرقابة، ويُنسى فيه المواطن.
المطلوب أن نعيد الاعتبار لكرامة المواطن، وأن تُفتح أبواب المحاسبة على مصراعيها. لأن البديل عن الإصلاح الصادق هو الانفجار الاجتماعي، وذاك ما لا نرجوه لمدينة الرشيدية، ولا لأي مدينة مغربية.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد