مدينة الرشيدية بين جفاف الطبيعة وجفاف التنمية: الوجه المظلم للسياسة المحلية

عبدالغني المرابط – الرشيدية
تعيش مدينة الرشيدية، هذه الحاضرة العريقة، أزمة متعددة الأبعاد تتجاوز حدود المناخ لتطال التنمية والاقتصاد على حد سواء، فبينما تكابد المنطقة جفافًا بيئيًا يهدد مواردها الطبيعية ويحد من إمكاناتها الزراعية، تشهد أيضًا جفافًا تنمويًا يعكس ضعف البنية التحتية وتراجع الاستثمارات، وجفافًا اقتصاديًا يظهر في محدودية فرص الشغل وهشاشة الأنشطة الإنتاجية.
غير أن المثير للاستغراب هو أن هذه الأزمات المتشابكة لا تُواجَه بإرادة جماعية حقيقية لتجاوزها، بل تتحول إلى فرص ضيقة لفئة محدودة من الأشخاص الذين يمكن عدّهم على رؤوس الأصابع.
هؤلاء، في معظمهم، منتخبون محليون أو أعضاء في المجالس الجماعية، استطاعوا عبر نفوذهم السياسي أن يسيطروا على القطاعات الحيوية ويحتكروا أهم الموارد والصفقات.
الإشكال هنا لا يكمن فقط في كونهم ممثلين للناخبين، بل في ممارساتهم الاقتصادية الموازية التي تحوّل السياسة من وسيلة للدفاع عن حقوق المواطنين إلى أداة للثراء الشخصي، كيف يمكن لمواطن أن يثق في منتخب يدافع عن المصلحة العامة وهو أول المستفيدين من الصفقات العمومية والمشاريع الكبرى؟
أمام هذا الواقع، تبرز الحاجة الملحّة إلى مراجعة شاملة لمنظومة التمثيل المحلي. يجب وضع آليات صارمة تمنع تضارب المصالح، من بينها حظر مشاركة المنتخبين وشركاتهم في الصفقات العمومية، وإعادة النظر في وضعية من راكموا الثروات بشكل مفاجئ منذ دخولهم غمار السياسة.. الشفافية والمساءلة لم تعد خيارًا بل ضرورة لحماية ثروات المدينة وإعادة الاعتبار لمفهوم العمل السياسي النبيل.
مدينة الرشيدية اليوم بحاجة إلى قطيعة مع هذا النموذج الريعي، وإلى إحياء روح المسؤولية الجماعية من أجل مواجهة التحديات المناخية والاقتصادية والتنموية. فالتنمية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق إلا حين تكون السياسة خادمة للمواطن، لا وسيلة لاحتكار الثروة.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد