بوانو يفتح ملف لوبيات الأدوية ويُحرج الحكومة ويفجر جدلا حادا في البرلمان حول “دواء الأغنياء”

هبة زووم – الرباط
تحول النقاش حول المادة الرابعة من مشروع قانون المالية لسنة 2026 إلى مواجهة سياسية حامية داخل لجنة المالية بمجلس النواب، بعدما فجّر النائب عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، قنبلة من العيار الثقيل باتهامه “لوبيات” الأدوية بتحقيق أرباح خيالية على حساب المواطن المغربي، دون أن تنعكس التخفيضات الجمركية المتكررة على أسعار البيع في الصيدليات.
ففي الوقت الذي تضمّنت فيه المادة الرابعة من مشروع القانون تخفيضات كبيرة في الرسوم الجمركية على 132 منتجًا دوائيًا من 30% إلى 2.5%، تساءل بوانو عن المستفيد الحقيقي من هذه الامتيازات.
وقال في مداخلته إن “التخفيضات السابقة في قوانين مالية 2022 و2023 و2025 لم تؤدِّ إلى انخفاض الأسعار، ما يعني أن المواطن لم يستفد شيئًا، في حين تضاعفت أرباح المستوردين”.
وأضاف أن المعطيات التي يتوفر عليها فريقه البرلماني تُظهر وجود “خلل بنيوي” في تسعيرة الأدوية، حيث إن “الجزء الأكبر من السعر النهائي يذهب إلى هوامش التوزيع، وسط ضعف المنافسة وغياب تفاوض حكومي فعال مع المختبرات الكبرى”.
واستدل بوانو بحالة مختبر مغربي استورد دواءً من الهند بـ208 دراهم للكيلوغرام الواحد، ليُباع في السوق الوطنية بـ51 درهمًا للعلبة كحد أدنى، بينما لا يتجاوز سعره في فرنسا 30% من السعر المغربي رغم كلفة النقل والتغليف.
دوقال مستغربًا: “من المستفيد إذن من هذه التعديلات؟ المواطن لا، والمصنّع المحلي لا، وحدهم المستوردون يحصدون الأرباح”.
من جهته، أيّد النائب مصطفى الإبراهيمي، العضو في لجنة المالية عن الحزب نفسه، طرح زميله، ملمّحًا إلى “وجود وزراء في الحكومة في حالة تضارب مصالح، بحكم استثماراتهم في قطاع الأدوية”، ما زاد من حدة التوتر داخل اللجنة.
ردّ الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع على اتهامات المعارضة بنبرة حازمة قائلاً: “اطمئنوا… العلاقة الوحيدة التي تربطني بالدواء هي الاستهلاك”، في إشارة إلى نفيه لأي صلة استثمارية أو تجارية بالقطاع.
وأوضح لقجع أن الحكومة منفتحة على مراجعة التعديلات إذا ثبت أن التخفيضات الجمركية لا تنعكس إيجابًا على الأسعار، مؤكّدًا أنه “إذا لم يكن الهدف هو خفض تكلفة الدواء على المواطن، فسنقدّم نحن أنفسنا تعديلًا لإلغاء التخفيضات”.
كما اقترح الوزير عقد اجتماع موسّع يضم لجنة المالية وممثلي وزارتي الاقتصاد والمالية والصحة لبحث الملف من جميع جوانبه، في خطوة اعتُبرت محاولة لتهدئة الأجواء وتجنب إحراج الحكومة أمام الرأي العام.
وتنص المادة الرابعة من مشروع قانون المالية لسنة 2026 على تطبيق تخفيضات جمركية كبيرة على عدد من الأدوية المستوردة، مع رفع الرسوم على أخرى يتم تصنيعها محليًا لحماية الإنتاج الوطني.
وهكذا ستُخفض الرسوم من 30% إلى 2.5% بالنسبة إلى 132 منتجًا دوائيًا، بينما سترتفع من 10% إلى 17.5% ومن 17.5% إلى 30% بالنسبة لأدوية أخرى يتوفر المغرب على طاقته الإنتاجية منها.
غير أن هذا النظام المزدوج أثار مخاوف من استغلال الثغرات القانونية من قبل بعض المستوردين الذين قد يوجّهون السوق وفق مصالحهم الخاصة، خاصة في ظل غياب آلية واضحة لضمان أن التخفيضات الجمركية ستنعكس فعليًا على السعر النهائي للمستهلك.
ويبدو أن النقاش الدائر داخل البرلمان لا يتعلق فقط بمادة في قانون المالية، بل بمعركة أعمق حول من يتحكم في سوق الدواء بالمغرب، وحول مدى قدرة الدولة على كسر منطق اللوبيات الذي يرفع الأسعار ويضعف الثقة في السياسات الصحية.
وفي انتظار الحسم في المقتضيات النهائية للمادة الرابعة، يبقى السؤال الأبرز: هل ستنجح الحكومة في جعل التخفيضات الجمركية أداة لتخفيف عبء المرض عن المواطنين؟ أم ستظل مجرد امتياز مالي جديد يضيف أرباحًا إلى جيوب الكبار في سوق الدواء؟

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد