معرض الفلاحة بمكناس.. “واجهة للاحتفال بالفشل” في زمن التبعية الغذائية

هبة زووم – الحسن العلوي
في الوقت الذي تعيش فيه المملكة المغربية إحدى أعقد مراحلها على صعيد الأمن الغذائي، يصرّ المنظمون على تنظيم الدورة الجديدة من المعرض الدولي للفلاحة بمكناس، وكأن الأمور على ما يرام، وكأن رفوف الأسواق ممتلئة، والموائد المغربية عامرة، ومخطط المغرب الأخضر أتى أكله.
لكن الواقع مختلف تمامًا، بل ربما صارخًا في تناقضاته. فنحن أمام احتفال سنوي يُراد له أن يكون واجهة لإنجازات قطاع فلاحي يتآكل من الداخل، وتُنفق عليه الملايير ليبدو على صورته “الإشهارية”، بينما واقع الحال يكشف هشاشة في السياسات، وعجزًا في الإنتاج، وتبعية مهينة في المواد الأساسية.
لقد بات معرض مكناس للفلاحة ـ في نسخته الحالية ـ موضع مساءلة حقيقية، ليس فقط من قبل الفلاحين الصغار الذين يشعرون بأنهم خارج الحسابات، بل أيضًا من قبل عموم المواطنين الذين يراقبون مؤشرات غلاء المعيشة، وارتفاع أسعار اللحوم والزيوت، واضطرار الدولة لدعم المستوردين لجلب زيت الزيتون، بل وإلغاء شعيرة عيد الأضحى بسبب نقص الأضاحي، وهم يتساءلون: هل هذا وقت للاحتفال؟
المفارقة الأكثر إثارة للسخرية، وربما للغضب أيضًا، تكمن في المساحة الشاسعة التي خُصصت داخل المعرض لعرض المواشي، في وقت تستورد فيه البلاد، بشكل متزايد، اللحوم والقطيع من الخارج.
فهل تحوّلت هذه الأروقة إلى واجهة دعائية تُخفي واقعًا مأزومًا؟ وهل الهدف من العرض هو تقديم صورة وردية للمستثمرين والوفود الأجنبية، أم ترسيخ قطيعة تامة مع المواطن الذي يدفع الثمن في الأسواق؟
وزارة الفلاحة، بقيادة أحمد البواري، تجد نفسها في قلب هذا السجال. إذ تتصاعد الانتقادات بشأن فشل الوزارة في تأمين الحد الأدنى من الحاجيات الغذائية الوطنية، وفي تفعيل سلاسل إنتاج قوية ومستدامة.
لقد صار الاستيراد هو الحل السهل والمباشر لكل أزمة، من الحبوب إلى اللحوم والزيوت، في وقت لا تزال فيه شعارات الاكتفاء الذاتي تتردّد في المناسبات الرسمية، وكأنها لا تنتمي لنفس هذا البلد.
المخطط الأخضر، الذي رُوّج له على أنه رهان استراتيجي لتحويل البنية الفلاحية، وُضع تحت المجهر مجددًا. لا أحد ينكر أن المليارات صُرفت، ولا أحد ينكر أن هناك مشاريع أنجزت على الورق، لكن ما نعيشه اليوم هو فشل صريح في استدامة هذه المشاريع، وفي حماية الموارد، وفي تحويل الفلاح الصغير إلى شريك حقيقي.
بل ثمة من يذهب أبعد من ذلك ليصف المخطط بأنه “أتى على الأخضر واليابس”، وأنتج فلاحة نخبوية موجهة للتصدير، في مقابل فلاحة محلية مهمّشة تُترك لتصارع الطبيعة والأسواق دون حماية.
في هذا السياق، يصبح معرض مكناس للفلاحة نسخة مغربية من المثل الفرنسي الشهير: “عندما لا يجدون الخبز، دعهم يأكلون الحلوى”.
إذ كيف يمكن تبرير إنفاق الموارد على تظاهرة احتفالية، في وقت تتراجع فيه المؤشرات الحيوية للفلاحة، ويتزايد عدد الأسر التي تعيش على الكفاف أو الاقتراض؟ كيف يمكن الترويج للنجاحات، بينما الواقع يصرخ بالأزمات؟
ربما حان الوقت لإعادة النظر في وظيفة هذا المعرض، وفي سردية الفلاحة المغربية ككل. فالتنمية الحقيقية لا تتحقق بترصيع الأروقة وتلميع الواجهات، بل تبدأ من الإنصات العميق لنبض الفلاحين، ومن إعادة توجيه السياسات نحو تحقيق السيادة الغذائية، لا مجرد مراكمة المؤشرات.
إن ما يحتاجه المغرب اليوم ليس مهرجانات خطابية ولا منصات استعراض، بل مراجعة شجاعة لمنظومة بأكملها، وإرادة سياسية تقطع مع الريع والارتجال، وتُعيد الاعتبار للفلاحة باعتبارها قضية أمن قومي لا مجرد قطاع اقتصادي.
وإلى أن يحصل ذلك، سيظل معرض مكناس للفلاحة، في نظر كثيرين، تظاهرة لـ”تخليد الفشل”، أكثر منه احتفالًا بالإنجازات.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد