آسفي: صفقة لتدبير سوق أسبوعي بثلاثاء بوكدرة تنتصر لحقوق المستخدمين وتكسر سطوة “مالين الشكارة”

هبة زووم – ياسر الغرابي
في خطوة وُصفت بـ”السابقة الوطنية”، صادقت جماعة ثلاثاء بوگدرة بإقليم آسفي، يوم أمس، على تمرير صفقة استغلال وتدبير السوق الأسبوعي بشروط غير مسبوقة، تراعي للمرة الأولى في هذا النوع من العقود ضمان الحقوق الاجتماعية للمستخدمين، عبر إلزام الفائز بالصفقة بالإدلاء بوثائق انخراطهم الفعلي في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
القرار، الذي أدرج ضمن مقتضيات الصفقة رقم 05/2025/ج ت ب، شكّل تحوّلاً نوعيًا في فلسفة تدبير المرافق الجماعية، ووجه ضربة قوية لسنوات طويلة من الفوضى والإجحاف في حق العمال والمستخدمين الذين ظلوا، لعقود، الحلقة الأضعف في منظومة كراء وتسيير الأسواق العمومية.
وبرغم ما وصفه البعض بـ”قساوة” هذا الشرط، إلا أن جماعة بوگدرة أصرّت على تضمينه في كناش التحملات، ونجحت في إقناع السلطات الإقليمية بوجاهة الطرح، بعد سلسلة من الملاحظات والمراسلات التي وصلت إلى مصالح عمالة آسفي من طرف بعض المقاولين والجهات التي رأت في الشروط الجديدة “ظلماً” لمصالحها.
غير أن السلطة المحلية لم تُذعن لما سمّاه مراقبون “ضغوطات اللوبيات”، وباركت الصيغة النهائية للصفقة بعد التأكد من سلامتها القانونية واحترامها للمساطر المعمول بها، بل من المنتظر أن يتم تعميم هذا النموذج على باقي الصفقات بالإقليم في إطار نهج شفاف وتقدّمي يقطع مع الريع الإداري وسوء التدبير.
قرار جماعة بوگدرة لا يمثل فقط إجراءً إدارياً، بل هو إعلان أخلاقي وسياسي عن دخول مرحلة جديدة من التعاطي مع تدبير الشأن المحلي، يكون فيها العامل والمستخدم شريكًا في التنمية، وليس ضحية للوساطة والاستغلال. فالضمان الاجتماعي لم يعد مجرد مطلب نقابي، بل حق دستوري يجب أن يدرج ضمن شروط ولوج المال العام، لا أن يُترك رهينة لمزاجية أرباب الشركات.
المتتبعون يرون في هذه التجربة بارقة أمل في إصلاح نظام الصفقات العمومية المفوضة، الذي ظل لسنوات مرتعًا للتجاوزات وتغليب الربح على العدالة الاجتماعية. وهي دعوة ضمنية لباقي الجماعات الترابية إلى الاقتداء بنموذج بوگدرة، الذي أبان عن إرادة حقيقية في تصحيح موازين القوى داخل منظومة الاستغلال الاقتصادي للمرافق العمومية.
فالزمن الذي كانت فيه “مالين الشكارة” يتحكمون في كل شيء، دون حسيب أو رقيب، قد بدأ في التلاشي، ومثل هذه المبادرات الشجاعة هي ما يضمن حق المواطن في دولة الحقوق والمؤسسات، ويعيد الثقة في المجالس المنتخبة كآلية فعلية لتوزيع عادل للثروة.