هبة زووم – متابعات
في خطوة استراتيجية تحمل دلالات عميقة على تحوّل ميزان النفوذ في القارة الأفريقية، أعلن الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، عن قرار بلاده نقل المقر الرئيسي لهذه القيادة من مدينة شتوتغارت الألمانية إلى مدينة القنيطرة المغربية.
جاء ذلك خلال جلسة استماع مطولة أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي، حيث وصف لانغلي المغرب بأنه “الشريك الأكثر موثوقية في أفريقيا”، مشيدًا بدوره الحيوي في دعم الأمن الإقليمي ومحاربة الإرهاب.
القرار، الذي كان مطروحًا منذ عهد الرئيس السابق، يُعد بمثابة تتويج لمسار طويل من التنسيق العسكري والتعاون الأمني بين واشنطن والرباط، ويعكس إقرارًا أمريكيًا واضحًا بالدور المركزي للمغرب في استقرار منطقة الساحل والصحراء.
كما يأتي في سياق تراجع التأثير الغربي في عدة دول أفريقية لصالح التمدد الروسي، ما دفع صناع القرار في البنتاغون إلى إعادة ترتيب تموضعهم الاستراتيجي على الأرض.
ورغم ما يحمله القرار من كلفة مالية عالية بالنظر إلى حجم البنية التحتية المطلوبة، اعتبر الجنرال لانغلي أن نقل مقر أفريكوم إلى القنيطرة سيسهم في تسهيل إدارة العمليات وتفعيل الموارد المخصصة للقيادة، لا سيما في ظل ازدياد التحديات الأمنية في الساحل، وتصاعد نفوذ الجماعات المتطرفة في النيجر ومالي وبوركينا فاسو.
واستعرض قائد أفريكوم خلال الجلسة التي استمرت أكثر من ساعتين، أسباب اختيار المغرب بدلًا من خيارات أخرى مثل قاعدة روتا البحرية في إسبانيا أو حتى تونس.
وأكد أن المغرب يتمتع باستقرار سياسي وأمني، وشراكة موثوقة، وبنية تحتية متطورة تؤهله لاحتضان واحدة من أبرز القيادات العسكرية الأمريكية خارج الولايات المتحدة.
ويرتبط القرار كذلك بتطورات داخلية تشهدها أفريكوم نفسها، حيث سيتم لأول مرة تعيين قائد من سلاح الجو الأمريكي على رأس القيادة، هو الجنرال ديفيد أندرسون، إلى جانب تولي الجنرال براد كوبر قيادة العمليات المركزية ضمن الهيكلة الجديدة، في إشارة إلى عزم واشنطن على منح أفريكوم دورًا أكبر في الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية العالمية.
ويرى مراقبون أن هذا التطور يحمل رسائل متعددة، أبرزها توجيه ضربة قوية للدول والكيانات التي تدعم الإرهاب في المنطقة، وعلى رأسها جبهة البوليساريو، التي ربطتها تقارير استخباراتية ألمانية بعدة جماعات إرهابية تنشط في منطقة الساحل.
كما أن التموقع الجديد في القنيطرة يمنح الولايات المتحدة قدرة أكبر على التدخل السريع والفعّال في بؤر التوتر، ويؤكد من جديد أن المغرب بات محورًا محوريًا في خريطة الأمن والدفاع الإقليمي والدولي.
ولم تغب عن الأذهان الأسباب التي جعلت أفريكوم تبقى خارج القارة منذ تأسيسها عام 2007، خصوصًا الحادثة التي راح ضحيتها أربعة جنود أمريكيين في النيجر في عهد الرئيس بوش، والتي عززت حينها خيار الاحتفاظ بالمقر في أوروبا. إلا أن التحولات الأمنية والسياسية الراهنة، وتزايد التحديات العابرة للحدود، جعلت من تمركز القيادة داخل القارة خيارًا أكثر واقعية وفعالية.
إن نقل مقر أفريكوم إلى القنيطرة لا يمثل مجرد خطوة لوجستية، بل هو إعادة تموقع جيوسياسي، ورسالة استراتيجية من واشنطن إلى خصومها وشركائها في آنٍ واحد: مفادها أن المغرب ليس فقط شريكًا عسكريًا تقليديًا، بل حجر زاوية في مشروع أمريكي جديد لاستعادة زمام المبادرة في أفريقيا.

تعليقات الزوار