مسامير الميدا تتحكم في الناظور والعامل الشعراني يكتفي بالمشاهدة

هبة زووم – محمد أمين
في زمن تتسع فيه رقعة العبث السياسي، وتضيق فيه مساحات النزاهة، أصبحت مدينة الناظور في عهد العامل الشعراني نموذجًا صغيرًا لما تعيشه البلاد من تفشي الانتهازية وغياب المحاسبة، وسط صمت رسمي يُفسَّر تارة بالعجز، وتارة أخرى بالرضا الضمني.
فمنذ تعيينه على رأس عمالة الناظور، كانت الآمال معقودة على العامل الجديد لتطهير محيطه من “المستشارين الظلّيين” والانتهازيين المترامين على مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، أولئك الذين صاروا يتناسلون في كل زاوية ومجال، ويتبادلون الأدوار كأنهم ممثلون في مسرحية عبثية لا تحترم حتى جمهورها.
لكن الواقع اليوم يقول شيئًا آخر. فبدل أن يقود العامل الشعراني معركة إدارية حازمة لتنقية الفضاء العمومي من التطفل والارتزاق، يبدو أنه هو نفسه وقع في فخ الصمت البيروقراطي، وربما في شرك التحالفات المصلحية التي تُحجم الإرادة وتُقيّد القرار.
في عهد الشعراني، تحوّلت الناظور إلى حاضنة نموذجية لـ”الانتهازي المغربي”، ذاك الذي يغلق عيادته ليركض خلف مقعد انتخابي، أو ذاك الذي يدير ملف النقل الحضري دون أن يفقه شيئًا في القطاع، اللهم إلا احتكاره لعشر مأذونيات يسترزق منها بلا حسيب أو رقيب.
وما خفي كان أعظم. رؤساء جمعيات يرفعون شعار “محاربة الفساد” صباحًا، ليخرجوا ليلاً من مكاتب مسؤولي العمالة وهم يبتسمون في رضا عجيب.
سياسيون يضعون قدمًا في لجنة النزاهة وأخرى تحت الطاولة لتقاسم غنائم اللوائح، مفارقات تدفع المواطن العادي، لا إلى الاحتجاج، بل إلى السخرية واللامبالاة، بعدما سقطت الأقنعة وتحوّلت الواقعية الساخرة إلى الملاذ الأخير للعقلاء.
المشكل لا يكمن فقط في الانتهازيين، بل في من يشرعن وجودهم داخل المؤسسات. لماذا لم يفلح العامل في تنظيف محيطه المباشر من الأسماء التي تلوكها الألسن في المقاهي والإدارات؟ لماذا لا تزال بعض “الوجوه” تعبث بتدبير الملفات الاجتماعية والاقتصادية، دون أن تطالها أي مساءلة؟ هل هي قوة اللوبيات، أم ضعف القرار، أم هما معًا؟
وإذا كانت السياسة اليوم مرتعًا خصبًا للمزايدين والانتهازيين، فإن الصدمة الحقيقية هي في غياب صوت حقيقي للمؤسسة العاملية داخل الناظور.
ففي الوقت الذي كان يُنتظر فيه من العامل الشعراني أن يكون نموذجًا للصرامة والمبادرة، فضل أن يكتفي بلعب دور المراقب الصامت في مسرحٍ صاخب تتحكم فيه “شبكة من المنتفعين”.
لقد تحوّل الانتهازي، كما يقول النص، من استثناء إلى قاعدة، ومن دخيل إلى فاعل مركزي في هندسة القرار المحلي. يبدّل خطاباته كما يبدّل ربطة عنقه، يتحرك باسم المصلحة العامة وهو لا يرى سوى مصلحته الخاصة، ويصنع من التموقع السياسي سلّمًا للتربح لا أداة للتغيير.
أمام هذا الواقع المقلق، يحق للمواطن الناظوري أن يطرح السؤال الصريح: من يُدبّر الشأن المحلي فعليًا؟ هل هي المؤسسات الشرعية أم “المتطفلون ذوو الياقات البيضاء”؟ وهل يملك العامل الشجاعة لفتح هذا الملف دون مجاملة أو حسابات ضيقة؟
الجواب ليس سهلًا، لكنه يمر أولًا من الاعتراف بأن الصمت لم يعد سياسة، وأن محاربة الفساد لا تبدأ من القوانين، بل من الجرأة على تطبيقها على الأقربين قبل الأبعدين.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد