هبة زووم ـ ليلى البصري
دخل أوس على زوجته خولة وهي تتهيأ للصلاة، فأرادها لنفسه ولكنها ردت عليه أن فرضا لله لا يؤجل، فأقسم عليها إن صلت قبل أن تمكنه من نفسها فهي محرمة عليه كظهر أمه.. فصلت فرض ربها غير خائفة من يمين زوجها..
كانت تلك المرأة هي ﺧﻮلة بنت ثعلبة، من ﺭﺑﺎﺕ ﺍﻟﺒﻼﻏﺔ ﻭﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻋﺎﺷﺖ ﻣﻊ ﺯﻭﺟﻬﺎ وابن عمها أوس بن الصامت ﺣﻴﺎﺓ ﻓﻘﻴﺮﺓ ﻣﻌﺪﻣﺔ، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻌﻴﺪﺓ ﻭﺭﺍﺿﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻗﺴﻤـﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻬا..
ﻭﻣﺎ ﺇﻥ ﺃﻧﻬﺖ ﺻﻼﺗﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺟﺎﺀﻫﺎ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﺃﻭﺱ ﻣﺪﺍﻋﺒﺎً، ﻓﻨﻔﺮﺕ ﻣﻨﻪ، ﻓﺎﺣﺘﺎﺭ ﻭﺗﻤﻠّﻜﻪ ﺍﻟﻐﻀﺐ، فقالت له أنا محرمة عليك كأمك هيا بنا نذهب للرسول للنظر ماذا يقول في هذا اليمين.
وهو من ﻗﻮﻝ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ (ﺃﻧﺖ ﻋﻠﻲّ ﻛﻈﻬﺮ ﺃﻣﻲ)، ﻭﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﺃﺷﺪ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻄﻼﻕ، ﺇﺫ ﻻ ﺭﺟﻌﺔ ﻟﻠﺰﻭﺟﺔ ﻓﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺯﻭﺟﻬﺎ، ﻭﻋُﺮﻑ ﺑﺎﺳﻢ (ﺍﻟﻈﻬﺎﺭ).
ودخلت خولة على الرسول صل الله عليه وسلم، ﺷﺎﻛﻴﺔ ﺇﻟﻴﻪ ﻳﻤﻴﻦ ﺯﻭﺟﻬﺎ، ﻗﺎﺋﻠﺔ ﻟﻪ: “ﺇﻥ ﺃﻭﺳﺎً ﺗﺰﻭﺟﻨﻲ ﻭﺃﻧﺎ ﺷﺎﺑﺔ ﻣﺮﻏﻮﺏ ﻓﻲَّ، ﻭﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻛﺒﺮﺕْ ﺳﻨﻲ، ﻭﻧﺜﺮﺕُ ﻟﻪ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺑﻄﻨﻲ، ﻭﻛﺜُﺮ ﻭﻟﺪﻱ، ﺟﻌﻠﻨﻲ ﻛﺄﻣّﻪ، ﻭﻟﻲ ﻣﻨﻪ ﺻِﺒْﻴَﺔٌ ﺻﻐﺎﺭ، ﺇﻥ ﺿﻤّﻬﻢ ﺇﻟﻴﻪ ﺿﺎﻋﻮﺍ، ﻭﺇﻥ ﺿﻤﻤﺘُﻬﻢ ﺇﻟﻲّ ﺟﺎﻋﻮﺍ، ﺃﻛﻞَ ﻣﺎﻟﻲ، ﻭﺃﻓﻨﻰ ﺷﺒﺎﺑﻲ، ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﻛﺒﺮﺕْ ﺳﻨّﻲ ﻭﺍﻧﻘﻄﻊ ﻭﻟﺪﻱ، ﻇﺎﻫَﺮَ ﻣﻨﻲ”…
ﻗﺎﻟﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ: ﻭﻟﻢ ﺗﺰﻝ ﺗﺸﺘﻜﻲ ﺇﻟﻰ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺣﺘﻰ ﺑﻜﻴﺖ ﻭﺑﻜﻰ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺭﺣﻤﺔ ﻟﻬﺎ ﻭﺭﻗﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻل ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺗﻜﻠﻤﻪ، ﻧﺰﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻮﺣﻲ، ﻭﻧﻔﺲُ ﺧﻮﻟﺔ ﺗﻜﺎﺩ ﺗﺨﺮﺝ ﺧﻮﻓﺎً ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻨﺰﻝ ﺍﻟﻔﺮﻗﺔ ﻭﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻄﻼﻕ.
ﻭﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻧﺰﻝ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺳُﺮّﻱَ ﻋﻦ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻل ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻫﻮ ﻳﺒﺘﺴﻢ ﻭﻗﺎﻝ: “ﻳﺎﺧﻮﻟﺔ! ﻗﺎﻟﺖ: ﻟﺒﻴﻚ، ﻭﻧﻬﻀﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑﻔﺮﺡ، ﻓﺘﺒﺴّﻢ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻل ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﺃﻧﺰﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻚ ﻭﻓﻴﻪ، -ﺃﻱﺯﻭﺟﻬﺎ-، ﺛﻢ ﺗﻼ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَاهُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ(4)… من سورة المجادلة.
ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻬﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻلى ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ﻣُﺮﻳﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﻖ ﺭﻗبة، ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﻭﺃﻱ ﺭﻗﺒﺔ؟ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻳﺠﺪ ﺭﻗﺒﺔ ﻭﻣﺎﻟﻪ ﺧﺎﺩﻡ ﻏﻴﺮﻱ. ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ: ﻣُﺮﻳﻪ ﻓﻠﻴﺼﻢ ﺷﻬﺮﻳﻦ ﻣﺘﺘﺎﺑﻌﻴﻦ. ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻳﺎﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎﻳﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ، ﻗﺎﻝ: ﻣُﺮﻳﻪ ﻓﻠﻴﻄﻌﻢ ﺳﺘﻴﻦ ﻣﺴﻜﻴﻨﺎً ﻭَﺳْﻘﺎً ﻣﻦ ﺗﻤﺮ. ﻗﺎﻟﺖ: ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻳﺎﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎﺫﺍﻙ ﻋﻨﺪﻩ. ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻل ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ:
ﻓﺈﻧّﺎ ﺳﻨﻌﻴﻨﻪ ﺑﻌﺮﻕ ﻣﻦ ﺗﻤﺮ. ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﻭﺃﻧﺎ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺳﺄﻋﻴﻨﻪ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻌﺮﻕ ﺁﺧﺮ. ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻل ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: “ﺃﺣﺴﻨﺖِ ﻭﺃﺻﺒﺖِ ﻓﺎﺫﻫﺒﻲ ﻭﺗﺼﺪَّﻗﻲ ﻋﻨﻪ، ﻭﺍﺳﺘﻮﺻﻲ ﺑﺎﺑﻦ ﻋﻤﻚ ﺧﻴﺮﺍً. ﻗﺎﻟﺖ: ﻓﻌﻠﺖ”.
ﻭﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺧﺎﺭﺟﺎً ﻣﻦ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﺃﻳﺎﻡ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﺍﺳﺘﻮﻗﻔﺘﻪ ﺧﻮﻟﺔ ﻃﻮﻳﻼً ﻭﻭﻋﻈﺘﻪ ﻗﺎﺋﻠﺔ ﻟﻪ: ﻳﺎﻋﻤﺮ، ﻛﻨﺖ ﺗﺪﻋﻰ ﻋُﻤَﻴْﺮﺍً، ﺛﻢ ﻗﻴﻞ ﻟﻚ ﻋﻤﺮ، ﺛﻢ ﻗﻴﻞ ﻟﻚ ﻳﺎ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ.. ﻓﺎﺗّﻖ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺎﻋﻤﺮ.. ﻓﺈﻥ ﻣﻦ ﺃﻳﻘﻦ ﺑﺎﻟﻤﻮﺕ ﺧﺎﻑ ﺍﻟﻔﻮﺕ، ﻭﻣﻦ ﺃﻳﻘﻦ ﺑﺎﻟﺤﺴﺎﺏ ﺧﺎﻑ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ.. ﻭﻋﻤﺮﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻭﺍﻗﻒ ﻳﺴﻤﻊ ﻛﻼﻣﻬﺎ ﺑﺨﺸﻮﻉ، ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ: ﻳﺎ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﺃﺗﻘﻒ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﻛﻠﻪ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻟﻮ ﺣﺒﺴﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﺃﻭﻝ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮﻩ ماتحركت، ﺇﻻ ﻟﻠﺼﻼﺓ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺔ”.
ﺛﻢ ﺳﺄﻟﻬﻢ: ﺃﺗﺪﺭﻭﻥ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ؟ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﻻ. ﻗﺎﻝ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺳﻤﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﻗﻮﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﻮﻕ ﺳﺒﻊ ﺳﻤﺎﻭﺍﺕ.. ﺃﻓﻴﺴﻤﻊ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ ﻭﻻ ﻳﺴﻤﻌﻪ ﻋﻤﺮ؟”!!
ﺭﺿﻲﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ عنهما.