هبة زووم ـ ليلى البصري
يقول الحق سبحانه: بسم الله الرحمن الرحيم ((سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أوَ لم يكفِ بربك أنه على كل شيء شهيد)) فصّلت 53.
لسنوات عديدة، عكف العلماء على دراسة القلب من الناحية التشريحية و الفيزيولوجية فقط، و لم يول أحد منهم أدنى اهتمام للناحية النفسية لهذا العضو… رغم الأهمية القصوى لهذا الجانب… ظناً منهم أن نفسية القلب شيء معنوي، تماماً كالروح و النفس…
و أجمعوا على أن القلب مجرد مضخة للدم، و أمطرونا بوابل من المعلومات عن هذه الآلة العجيبة، من بينها أن هذا المحرك المدهش، يغذي أزيد من ثلاث مائة مليون خلية في الجسم، يتراوح وزنه في الحالات الطبيعية ما بين 250 و 300 غرام، حجمه كحجم قبضة اليد. يضخ أكثر من سبعين ألف لتر من الدم عند الإنسان البالغ، في عملية انقباض و انبساط لا ينتهيان، و يدق أكثر من مائة ألف مرة في اليوم… و القلب يُخلق قبل الدماغ في الجنين، و يحتاج إلى واحد و عشرين يوما ليتشكل و يبدأ في العمل، و يستمر حتى الوفاة.
~ من القائد يا ترى؟ القلب أمِ الدماغ؟ ~
يقول العلماء أن الدماغ هو من يتحكم بعمل القلب، و الله سبحانه و تعالى يقول: ((و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا)) الإسراء 85. فمهما تقدم العلم في نظرنا يظل متخلفاً أمام علم الله الذي ليس من بعده علم، و كل نظرية تعاكس ما جاء به كتاب الله فهي باطلة و لا أعتبرها صحيحة.
لست أدري على أي أساس استندوا لكي يخرجوا لنا بهذه النظرية، فهم لا يعلمون عن الدماغ البشري إلا كما يعلم جدي عن الانترنت… أليس هم من أطلقوا عليه اسم ”الصندوق المظلم” لجهلهم شبه التام عما يحويه من ألغاز و أسرار لا يعلمها إلا الخالق سبحانه؟. فلا هم يعلمون كيف يتذكر الإنسان الأشياء…و الروائح…و لا يعرفون كيف يعمل الدماغ، و لا لمَ ينبض القلب و لا يفقهون ماهية النوم… و غير ذلك مما يجهلون!
لقد أخبرنا الحق سبحانه في كتابه الكريم أن القلب هو مركز العقل و الإدراك و الذاكرة و التفكير و ليس الدماغ. تأملوا جيدً هذه الآية الكريمة: بسم الله الرحمن الرحيم ((أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور)) الحج 46. لاحظ معي أن المولى عز و جل قد جعل القلب محلّا للعقل تماما كما جعل الآذان محلاّ للسمع، و أشار إلى أن البصيرة محلها القلب كذلك.
~ الخيوط الأولى للحقيقة ~
في ظل التطور الكبير الذي عرفته ساحة جراحة و زراعة القلب في القرن الحالي، و التزايد الهائل لهذا النوع من العمليات، لاحظ بعض الباحثين ظاهرة شديدة الغرابة لم يجدوا لها تفسيراً في كتبهم العلمية… و تتجلى في تغيرات جذرية، تطرأ على نفسية المرضى المتلقين لهذا العضو، طبيعيا كان أمْ صناعيا… عميقة المدى، قد تطال معتقداته، و عاداته، و مايحب و ما يكره… و حتى إيمانه.
فالمرضى الذين استُبدلت قلوبهم بقلوب اصطناعية، فقدوا الإحساس و العواطف… و تدهورت قدرات الإدراك لديهم بشكل ملفت و أصبحت ردود أفعالهم شبه منعدمة…
أما أولائك الذين تم استبدال قلوبهم بقلوب بشرية، فقد تم تسجيل المئات و المئات من الحالات التي حدثت لها تغيرات ملحوظة بعد عملية زرع القلب، نذكر من بينها حالةً لطفل في التاسعة من عمره، زُرع له قلب فتاة في الثالثة من عمرها، قضت غرقاً، صار يخاف جداً من الماء بعد أن كان من هواة السباحة…
و الطفلة ماري، التي ظلت، رغم نجاح العملية، تشعر باستمرار و كأن شيئاً يصطدم بصدرها، و كلما شكت ذلك لطبيبها، عزى الأمر لتأثير الأدوية. ليتبين فيما بعد أن صاحبة القلب الأصلي توفيت عندما صدمتها سيارة في صدرها!
و ذلك الطفل الذي حضيَ بقلب طفل آخر، ثم بدأ، بعد فترة وجيزة من الزرع، يظهر عليه خلل في الجهة اليسرى، و اتضح أن الطفل المتبرع بالقلب كان يعاني من خلل في الجزء الأيسر من الدماغ يعيق حركته… و بعد وقت قليل من عملية زرع هذا القلب، تبين أن الدماغ بدأ يصيبه خلل في الجانب الأيسر تماماً كحالة الطفل صاحب القلب الأصلي.
و قد لخص الدكتور Schwartz ذلك: بأن القلب هو الذي يشرف على عمل الدماغ… فالخلل الذي أصاب دماغ الطفل المتوفي كان سببه القلب! الذي بدأ يمارس نشاطه على الطفل المتلقي ليطور هذا الخلل في دماغه.
~ علاقة القلب بالدماغ ~
منذ فتزة لا تتجاوز الثلاثة عقود فقط، بدأ العلماء و الباحثون يلاحظون بشدة وجود علاقة وطيدة بين القلب و الدماغ، و أن للقلب دور كبير في فهمنا للعالم من حولنا، كما لاحظوا وجود علاقة قوية بين ضربات القلب و ضغط الدم و التنفس و الرئتين، و بتعمقهم في البحث وجدوا أن للقلب تأثير كبير على النشاط الكهربائي للدماغ ، كما بدؤوا يتحدثون بجدية عن دماغ موجود في القلب يتكون من 40000 خلية عصبية، و أن ما نسميه “العقل” موجود في مركز القلب، و هو الذي يقوم يتوجيه الدماغ لأداء مهامه، فسبحان الله.
و تعتقد الدكتورة Lind Russek أن للقلب طاقة خاصة بواسطتها يتم تخزين المعلومات و معالجتها كذلك. و قد تمكنت من تسجيل علاقة بين الترددات الكهرطيسية التي يبثها الدماغ و الترددات الكهرطيسة التي يبثها القلب و كيف يمكن للمجال الكهرطيسي للقلب أن يؤثر في المجال المغنطيسي لدماغ الشخص المقابل…!
و الثابت علمياً أن القلب متصل بالدماغ من خلال شبكة معقدة من الأعصاب، و أن هناك إشارات كهربائية تشكل رسائل مشتركة بين القلب و الدماغ و التي تلعب دورً أساسياً في الفهم و الإستيعاب و الإدراك… من هنا تظهر أهمية القلب في عملية فقه و إدراك الأشياء من حولنا. و الحق سبحانه يقول في الآية 179 من سورة الأنعام: ((لهم قلوب لا يفقهون بها…)) أي أنه تعالى حدد لنا مركز الفقه و الوعي و الإدراك لدى الإنسان، و هو ” القلب “. و هذا ما بدأ يثبته العلم حديثاً.
و قد صدق رسولنا الكريم حين قال: “ألا في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، و إذا فسدت فسد الجسد كله، ألا و هي القلب”، متفق عليه.