“حوت بثمن معقول”: مبادرة تحت المجهر وسط اتهامات بإهدار المال العام وزكية الدريوش في قلب العاصفة

هبة زووم – الرباط
أثارت مبادرة “حوت بثمن معقول”، التي أطلقتها كاتبة الدولة المكلفة بقطاع الصيد البحري، زكية الدريوش، جدلاً واسعًا في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية.
وبينما كانت المبادرة تهدف إلى امتصاص غضب الشارع بسبب الارتفاع غير المسبوق في أسعار السمك خلال شهر رمضان، تحولت إلى قضية رأي عام وسط اتهامات بإهدار المال العام ومنح امتيازات غير مستحقة لأصحاب سفن الصيد في أعالي البحار.
خلفية المبادرة وأهدافها المعلنة
جاءت هذه المبادرة كرد فعل على الانتقادات الشعبية الواسعة التي طالت ارتفاع أسعار السمك بشكل غير مسبوق، خاصة في مدن مثل مراكش وبعد الجدل الذي خلقه عبد الإله مول الحوت، حيث شهدت الأسواق ارتفاعًا كبيرًا في أسعار المنتجات البحرية، مما دفع المواطنين إلى إطلاق دعوات لمقاطعة الأسماك.
وفي هذا السياق، أعلنت زكية الدريوش عن إبرام اتفاق مع لوبيات الصيد في أعالي البحار، يقضي بتسويق كميات كبيرة من الأسماك داخل السوق الوطني دون خضوعها للتعشير أو أداء نسبة 20% كضريبة على القيمة المضافة (TVA).
نتائج المبادرة: أرقام مثيرة للجدل
وفقًا للتقارير الإعلامية، تم تسويق حوالي 2150 طنًا من الأسماك حتى منتصف شهر رمضان، بأسعار تراوحت بين 17 و100 درهم للكيلوغرام، وهو ما حقق رقم معاملات يتجاوز 36.5 مليون درهم. ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن هذا الرقم قد يصل إلى 7.3 مليار سنتيم بنهاية الشهر الكريم.
المثير للجدل هو أن المستفيدين الرئيسيين من هذه الصفقة لم يكونوا المواطنين البسطاء، بل أصحاب سفن الصيد في أعالي البحار، الذين استفادوا من إعفاءات ضريبية غير مسبوقة دون أن يتنازلوا عن أي جزء من أرباحهم.
وفي المقابل، حُرمت خزينة الدولة من مداخيل ضريبية كبيرة كان يمكن استثمارها في مشاريع تنموية لصالح المواطنين.
اتهامات بإهدار المال العام
تحولت المبادرة إلى محل انتقاد واسع، حيث اعتبر العديد من المتابعين أن القرار لم يكن سوى “امتياز جديد” لفائدة كبار الفاعلين في قطاع الصيد البحري، دون أن ينعكس ذلك بشكل ملموس على أسعار الأسماك بالنسبة للمستهلكين.
فعلى الرغم من الإعفاءات الضريبية الكبيرة، لم تشهد الأسواق انخفاضًا واضحًا في الأسعار، مما أثار تساؤلات حول فعالية المبادرة وأهدافها الحقيقية.
وفي هذا السياق، تعالت الأصوات المطالبة بفتح تحقيق رسمي حول ظروف اتخاذ هذا القرار ومدى قانونيته، كما طالب البعض بتوضيح الجهات المستفيدة من هذه المبادرة وما إذا كانت هناك مصالح خاصة تقف وراءها.
غضب الشارع ودعوات المقاطعة
القرار جاء بعد موجة غضب شعبي واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أطلق المواطنون حملات مقاطعة للأسماك احتجاجًا على ارتفاع الأسعار.
ومع ذلك، يبدو أن المبادرة لم تنجح في تهدئة الغضب الشعبي، بل زادت من الاحتقان بسبب الشكوك حول نزاهتها واستهدافها لفئة معينة من المستفيدين.
اللوبيات تكسب والأعباء تتزايد
يرى عدد من الخبراء والمراقبين أن المبادرة كانت فرصة ذهبية للوبيات الصيد البحري لتعزيز أرباحها على حساب المالية العامة للدولة.
فبدلاً من تحقيق التوازن في الأسعار وتضمين عدالة التوزيع، تحولت المبادرة إلى أداة لمنح امتيازات غير مستحقة لأصحاب السفن، بينما لم يشعر المواطنون بأي تحسن حقيقي في أسعار الأسماك.
هل كانت المبادرة حلاً أم مسكنًا؟
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل كانت مبادرة “حوت بثمن معقول” حلاً حقيقيًا لمشكلة الأسعار، أم أنها مجرد خطوة لامتصاص الغضب الشعبي المؤقت؟
الواقع يشير إلى أن المبادرة انتهت بمنح امتيازات جديدة للوبيات الصيد البحري، دون تحقيق الأهداف المرجوة منها.
الخلاصة اليوم، بين اتهامات بإهدار المال العام واستفادة غير متوازنة، تبقى مبادرة “حوت بثمن معقول” نقطة سوداء في سجل وزارة الصيد البحري.
وبينما تسعى الحكومة إلى احتواء الأزمات الاجتماعية، يبدو أن القرارات غير المدروسة قد تؤدي إلى نتائج عكسية، تزيد من الاحتقان الشعبي وتعمق الفجوة بين المواطنين والفئات المستفيدة من السياسات الاقتصادية.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد