من منصة للنقاش إلى حديقة للحيوانات: كيف بدد “فراقشية” المعرض الدولي للفلاحة أموال المغاربة؟

هبة زووم – إلياس الراشدي
تُنظم وزارة الفلاحة نسخة جديدة من المعرض الدولي للفلاحة بمكناس سنة 2025، في سياق استثنائي يتسم بغلاء الأسعار وتراجع المعروض الفلاحي، ما يطرح علامات استفهام ثقيلة: هل نجح فعلا “المخطط الأخضر” في ضمان الأمن الغذائي للمغاربة؟ وهل بقيت الفلاحة قادرة على تلبية حاجيات الحاضر والمستقبل؟
لكن فعاليات المعرض لهذه السنة لم تنجح في التغطية على واقع التراجع الكبير الذي أصاب هذا الحدث منذ سنوات، حتى فقد معناه وخبا بريقه، وتحول إلى صدى باهت لزمن مضى.
فقد كان الملتقى، في سنواته الأولى، موعدًا وطنيًا وعالميًا حقيقيًا، تنتظره الأوساط الفلاحية للنقاش الجاد وتقييم السياسات العمومية. كانت المناظرة الوطنية للفلاحة منصّة للنقاش الصريح بين وزراء وخبراء ومهنيين، حيث كانت تتم مراجعة الاختيارات الكبرى بكل جرأة ومسؤولية.
اليوم، تحولت الفلاحة الوطنية، التي كان يُفترض أن تكون رافعة للسيادة الغذائية، إلى مجال مغلق لفائدة أصحاب الرساميل الكبرى، الذين لا يعنيهم سوى تصدير الفواكه والخضر نحو الخارج لتحقيق الربح السريع، حتى لو كان الثمن استنزاف ملايين الأمتار المكعبة من المياه الشحيحة، في بلد يرزح تحت وطأة الجفاف والعطش.
نتيجة هذا التحول، ضربت في العمق الفلسفة الأصلية للمعرض الدولي للفلاحة، ليتحول تدريجيا إلى عرض فرجوي بئيس: ثيران عملاقة، خراف ضخمة، ودواجن غريبة، كأنما تم اختزال الفلاحة إلى حديقة حيوانات موسمية.
فقد تراجعت طموحات النقاش الجاد، وتقلصت مساحة التفكير الاستراتيجي، ليُصبح الملتقى مجرد مناسبة موسمية تستهلك الملايين من أموال المؤسسات العمومية دون أن تقدم أي قيمة مضافة حقيقية للفلاحة الوطنية.
حدث كان يُصنف ضمن الخمسة الأوائل دوليًا من حيث الحجم وعدد العارضين والزوار، كما أكد الراحل جواد الشامي في أكثر من مناسبة، تحول إلى قوقعة جوفاء تبتلع المال العام تحت مسمى الترويج للقطاع.
والأخطر أن هذا الانحدار لم يكن مجرد مصادفة أو خطأ تقديري، بل عملية تفريغ إرادي مدروسة، ساهمت فيها الحكومة عبر الإصرار على قتل الروح الاستراتيجية للمعرض، وتغليب الطابع الفرجوي التافه على النقاش العمومي الواعي.
ولعل ما يثير السخرية أن الحملات الإشهارية المُبالغ فيها لتلميع صورة “الفراقشية” ـ وهم فئة استغلت هذا الحدث لأغراض التباهي الشخصي ـ لم تفلح إلا في تأكيد السقوط الأخلاقي والمؤسساتي الذي بلغه المعرض. فبدل أن يكون مساحة لعرض حلول مبتكرة لأزمات الماء والغذاء، صار سباقا لنشر صور أكبر حولي وأضخم ثور وأغرب دجاجة.
إنه تبذير للمال العام بغطاء فلاحي، وانحراف خطير عن الأهداف التي أنشئ من أجلها المعرض الدولي للفلاحة، في وقتٍ يحتاج فيه المغرب أكثر من أي وقت مضى إلى فلاحة سيادية مستدامة، وليس إلى عروض بهلوانية تُرضي غرور البعض على حساب قوت المغاربة ومستقبلهم.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد