مراكش: مكاتب حفظ الصحة تفرّط في سلامة المواطنين بعهد المنصوري والوالي شوراق

هبة زووم – الحسن العلوي
في قلب مدينة مراكش، حيث يتقاطع التاريخ مع السياحة، ويزدهر الاستثمار في الواجهة، تتوارى جريمة مستترة خلف مكاتب تحمل اسم “حفظ الصحة”، لكنها باتت اليوم عنوانًا للإهمال والتواطؤ الخطير على حساب صحة المواطنين.
ما يجري داخل هذه المصالح الحيوية، ليس مجرد تقصير إداري أو نقص في الموارد، بل سلوك ممنهج يمكن وصفه بالخيانة المؤسسية لصحة ساكنة المدينة.
تحت غطاء “المراقبة الصحية” تُترك الأسواق، والمطاعم، والمجازر، والمخابز، مرتعًا خصبًا لكل أنواع الاختلالات، بينما تُنسى المعايير الصحية وتُداس الضوابط القانونية، في مشهد عبثي أصبح مألوفًا لدى كل من احتك بهذا القطاع.
المواطن المراكشي تحول إلى “فأر تجارب” في مختبر مفتوح للفوضى الغذائية. يأكل، ثم يصارع التسمم على سرير المستشفى أو في قاعة الانتظار بقسم المستعجلات، نتيجة لوجبات فاسدة تمر من تحت أعين “مراقبين” التي تصبح مغلقة في بعض المرات لا ترى بوضوح.
باتت مكاتب حفظ الصحة أشباحًا بيروقراطية، تظهر في التقارير الرسمية، وتغيب عن أرض الواقع، حيث السموم تُستهلك يوميًا في صمت، أما أولئك المفروض أن يكونوا حماة صحة الناس، فقد صاروا شركاء صامتين في جريمة تسميم بطيء، يبررون غيابهم بمحاضر موسمية لا تسمن ولا تغني من جوع، وحملات تفتيش لا تتجاوز حدود المسرحيات الهزلية.
الجهات الرقابية لا تتحرك إلا بعد وقوع الكارثة. تداهم محلات الجزارة بعد أن يكون المستهلك قد أنهى نصف خروف فاسد، وتغلق مطاعم الأكل السريع بعد تسجيل حالات إسهال جماعي، وتتلف لحوم الدجاج بعد أن تتحول إلى “شاورما” على الفحم، إنه ذروة العبث أن تكون الرقابة متفرجًا يتدخل فقط عندما تصبح معدة المواطن مقبرة للميكروبات!
وفي كل مرة، يخرج المسؤولون ببلاغات رتيبة يتحدثون فيها عن “المراقبة الدورية” و”الصرامة في التطبيق”، بينما الواقع يعري منظومة متآكلة، فقدت ثقة الشارع منذ زمن.
فالفساد اليوم موثق، ليس في التقارير، بل في الأمعاء المثقوبة للمواطنين، والواقع المتعفن في محلات تبيع الموت في غلاف غذائي أنيق.
المؤسف أن هذا يحدث في ظل تولي فاطمة الزهراء المنصوري لمهام العمدة، وتواجد الوالي شوراق، دون أن تظهر مؤشرات على تحرك جاد يوقف هذا التدهور الخطير في تدبير ملف الصحة الغذائية.
في مواجهة هذا الواقع، لم يعد المطلوب فقط تحسين جودة التفتيش، بل بات من الضروري إخضاع المفتشين أنفسهم للتفتيش، فالأخطاء لا تهدد فقط صحة المواطنين، بل تقوض ثقة الناس في المؤسسات.
آن أوان التحرك. لم يعد الصمت مقبولًا، ولا التواطؤ قابلًا للغفران. مراكش تحتاج إلى يقظة شعبية ورقابة مؤسساتية حقيقية، لأن “موتًا بطيئًا” يُباع يوميًا في الأسواق والمطاعم، تحت أنظار من يقتسمون الأرباح في الظل.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد