العرائش.. حين يصبح الإفلات من العقاب سياسة غير معلنة والعامل بوعاصم إلى “شاهد ما شافش حاجة”

هبة زووم – إلياس الراشدي
في العرائش، لم يعد الحديث عن الفساد الإداري والمالي مجرد ترفٍ لغوي أو خطابٍ شعبوي، بل أصبح واقعًا يوميًا تُعيد تفاصيله إنتاج نفس المشهد البائس: مسؤولون يتورطون، تقارير تخرج إلى العلن، لجان تفتيش تزور الجماعات، ثم صمتٌ ثقيل يعقب كل شيء، وكأن العدالة اختارت أن تُغمض عينيها.
السؤال اليوم ليس من قبيل المزايدة، بل من عمق خيبة الأمل: هل تعب المفتشون والمراقبون في وزارة الداخلية من ملاحقة ملفات الفساد المتراكمة داخل جماعات العرائش؟ أم أن هناك من قرّر أن يجعل من الإفلات من العقاب سياسة غير معلنة، يختبئ وراءها أصحاب النفوذ والمصالح؟
لقد تراجع بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة عددُ قرارات توقيف المنتخبين ورؤساء الجماعات المتورطين في خروقات جسيمة، بعدما كانت تلك التوقيفات – ولو على استحياء – تشكل رسالة رمزية بأن ربط المسؤولية بالمحاسبة لا يزال قائماً. لكنّ ما نراه اليوم يوحي بعكس ذلك تماماً، وكأننا أمام تراجع ممنهج لهيبة الرقابة الترابية.
وإذا كانت وزارة الداخلية، عبر مفتشياتها العامة، قد أعدّت في السنوات الماضية عشرات التقارير الصارمة حول جماعات ترابية في الإقليم، فإنّ أغلب تلك الملفات طُويت في الأدراج، ولم يُفعّل فيها المسار القضائي إلا نادراً، وغالباً تحت ضغط الرأي العام أو الإعلام.
وفي هذا المناخ، يبدو أن العامل بوعاصم العالمين تحول إلى “شاهد ماشفشي حاجة” ، فبدل أن يكون حارساً للشفافية والنزاهة في تدبير الشأن المحلي، تُوجَّه إليه أصابع الاتهام اليوم بـ”التسامح الإداري” مع عدد من رؤساء الجماعات الذين تحوم حولهم شبهات سوء التسيير والاختلاس، بل إنّ هذا التراخي في إنفاذ القانون جعل من العرائش فضاءً خصباً لإعادة إنتاج نفس النخب ونفس الممارسات.
إن الإفلات من العقاب ليس مسألة شكلية، بل جريمة مضاعفة في حق العدالة والمواطنة، فحين يرى المواطن أن من نهب أموال الجماعة يعيش في بحبوحة، بينما البسطاء يُحاكمون على مخالفات بسيطة، فإن الثقة في الدولة تتآكل، والاحترام للقانون يتحول إلى مجرد شعار أجوف.
المؤلم أن الثمن يُدفع من رصيد الثقة العامة، ومن صورة المؤسسات التي يُفترض فيها أن تحمي المصلحة العامة لا أن تغضّ الطرف عنها، فكل ملف فساد يُغلق دون حساب، وكل قرار توقيف يُؤجَّل إلى أجل غير مسمّى، هو مسمار آخر في نعش المصداقية والعدالة المحلية.
العرائش اليوم أمام مفترق طريق واضح: إما أن تُعلن القطيعة مع زمن الإفلات من العقاب وتفتح الملفات بجرأة ومسؤولية، وإما أن تستمر في إنتاج نفس المسرحية الرديئة التي يعرف الجميع نهايتها مسبقاً.

الطاقة والمعادن عيد المسيرة 2
تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد