هبة زووم – ليلى البصري
يحكي أن كان أحد الابناء يرى دائماً والده المتوفي في أحلامه كل ليلة، و لكنه كان يراه دائماً في حالة من الاضطراب والقلق و عدم الاطئمنان، مما شغل بال الابن فبدأ يسأل و يستفسر عن حاله و عن سر هذا الاضطراب العجيب الذي يراه فيه بشكل مستمر، فكان الأب يجيبه في الحلم أنه في أحسن حال، و أنه يسكن رياضاً خضراء رائعة الجمال، فيها كل ما يتمناه الانسان و يرجوه، و لكن فجأة كان يسكت و تعلو وجهه غمامة كآبة و حزن عميق كأنه يتذكر شئا يضايقه و يزعجه كثيراً و يعكر صفوه، ثم يكمل حديثة من جديد قائلاً بصوت ضعيف منكسر أن هناك أمرا واحدا فقط ينغص عليه سعادته هذه، و هو أن فلان البقال لا يفتأ يزوره في كل حين ليتعرض له بالاذي و الضرر و ينغص عليه سعادته و صفوه و رغد عيشه.
و كان الإبن يري والده دائماً علي هذه الحال و يترجاه و يلح عليه ان يخلصه من هذا الهم و أن يكفيه شر هذا البقال ثم تنتهي الرؤيا، تكرر هذا الحلم كل ليلة حتي صار الابن في حيرة عظيمة من أمره لا يدري ماذا يفعل، خاصة أن البقال الذي يذكره له والده في حلمه هو لازال علي قيد الحياة، فكيف من الممكن أن يؤذي روحاً من عالم الاموات، في النهاية لم يستطع أن يمنع نفسه من الذهاب إلي هذا البقال لزيارته لعله يجد عنده جواب لهواجسة التي أصبحت تشغل باله بشكل دائم، إلا أنه لم يجد في نفسه الشجاعة الكافية ليخبر البقال بصراحة عن السبب وراء زيارته خوفاً من أن يسخر منه البقال او يعتبره مجنوناً.
دخل الشاب إلي البقال كأنه أى زبون عادي و راح يقلب في البضاعة علي مهل، فاقترب منه البقال و بدأ يتفحصة في عناية ثم سأله فجأة هل انت فلان ابن فلان رحمة الله عليه، استغرب الشاب كثيراً من سؤال البقال و أحس أنه سوف يعثر علي ضالته، فأجابه نعم أنا ابن فلان رحمه الله، فقدم إليه البقال التعزية و المواساه، ثم اطرق لبرهة قصيرة و قد تغير لون وجهه، ثم نظر إلي الابن باستحياء و أخبره أن هناك مبلغ صغير من المال كان والده المرحوم مديناً به إليه، و لكن منعه خجله من أن يطلبه لتفاهة المبلغ و لوفاة المدين، فسارع الابن يمد يده إلي محفظته ليدفع دين والده بكل رحابة صدر ثم غادر المكان و هو في غاية الراحة و الاطمئنان لأنه اكتشف أخيراً السر الذي كان يشكو منه والده باستمرار، و من يومها لم يتكرر هذا الحلم مرة أخري أبداً.