هشاشة البنية التحتية والأمطار الغزيرة الأخيرة تكبد مناطق من الجنوب الشرقي خسائر فلاحية ومادية كبيرة
عبد الفتاح مصطفى – الرشيدية
شهدت مؤخرا مناطق الجنوب الشرقي بكل من زاكورة، ورزازات، تنغير، الرشيدية، ميدلت، طاطا، كلميم وفكيك تساقطات وعواصف رعدية قوية كانت محملة بأمطار جارفة، جرفت الأخضر واليابس في عدة أقاليم (تاكنيت- طاطا – ورزازات – املشيل..) على سبيل الاستئناس و المعرفة.
وخلفت فيضانات مروعة حققت حمولات كبيرة من المياه في عدة وديان وأنهار كانت إلى عهد قريب تئن من وطأة الجفاف والاشتياق إلى قطرة ماء تنساب في ربوع الوادي..
وانتعشت بعدها الفرشة المائية و تحسنت حقينة السدود بالمنطقة (سد الحسن الداخل – المنصور الذهبي – قدوسة..)، وخلفت كذلك خسائر في الأرواح (أربعة أطفال زهقت أرواحهم وهم يسبحون في مياه الفيض بشدة الفرح بالأمطار) والممتلكات بانهيار عدة مساكن وقرى خاصة تلك التي كانت مبنية بالطين في قرى املشيل طاطا ورزازات تاكونيت أرفود زاكورة.. ناهيك عن خسائر المزروعات الفلاحية..
هكذا و بعد حدوث هذه الأمطار الغزيرة والفيضانات، ظهرت جليا الحاجة الملحة إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير للتعامل مع آثار هذه الكارثة الطبيعية والعمل على إعادة تأهيل المناطق المتضررة. هذه الإجراءات تهدف إلى حماية الأرواح والممتلكات، والحد من الخسائر المادية والبشرية، وإعادة الحياة إلى طبيعتها.
مناطق الجنوب الشرقي و الشرق منسية و مهمشة
مازالت هوامش الجنوب الشرقي تئن من فرط التهميش والتفقير، رغم ما “يظهر” من حين لأخر لمشاريع يظن المتتبع أنها ستنقد المناطق من التهميش وستخرجها من بوتقة التخلف الى روح العصر؟؟؟
إذ لا تكاد تذكر هذه الهوامش إلا وهي مرادفة للفواجع والأحزان والكوارث التي تزحف على الإنسان قبل العمران، مثلما ما وقع في السيول الأخيرة التي حولت مئات المنازل إلى أطلال.
ناهيك عن فواجع البشرية والتي كان أخرها فاجعة منطقة “أمسيصي” بإقليم تنغير، التي دفع ثمنها 50 تلميذا كانوا في طريقهم إلى فصول الدراسية السنة الماضية . دون أن ننسى الاستنزاف التي تتعرض له خيرات هذه الربوع(معادن..) منذ عقود دون مقابل.
لقد جاءت الأمطار الطوفانية الأخيرة، لا لتكشف فقط عن هشاشة البنيات الطرقية التي أُهدرت لأجلها الملايير قبل أن ينتفع بها الإنسان في الجنوب الشرقي ، بل لتعري تجاوزات تنتهك حق هذا الانسان في هذه المناطق التي طالها الإهمال والنسيان منذ عقود طويلة.
يقول مواطن من ساكنة املشيل عبر التواصل الاجتماعي: “التفاح مشى، لبطاطا مشات، الطرقان ما كاينين، السواقي ديال لما مشات، كلشي مكرفص”..، هكذا كانت معاناة سكان منطقة إملشيل اثر الأمطار الغزيرة الأخيرة، بل يعتبر نموذج صارخ لجل مناطق جهة درعة تافيلالت التي شهدت فيضانات..
إن أسوأ ما يؤلم أبناء الهامش الذي أغرق في بحر النسيان قبل طوفان الفيضان، هي مظاهر التحقير والتجاهل تجاه جفاف التنمية الذي يزحف على هذه الربوع المنتفع بخيراتها مع إصرار على النكران..
أبناء الجنوب الشرقي يتساءلون اليوم بكثير من الريبة والغرابة لماذا تستثنى منطقتهم من مشاريع التنمية، ولماذا تتجاهلهم المخططات الوزارية، وكيف لا ينالون حظهم من الثروة الوطنية التي تستحوذ عليها الجهات المحظوظة؟؟..
أمال سكان الجنوب الشرقي بعد سنوات الجفاف المحرقة
اليوم وبعد هطول أمطار الخير و النماء التي ظل السكان ينتظرونها لأكثر من سبع سنوات ، فهم لا يتسولون كرامات ولا تضامنا مغشوشا ، ولا ينتظرون قوافل المساعدات وهم المعروفون بكرم الضيافة، بقدر ما يرجون إنصافا بعدما تكالبت عليهم قساوة التاريخ والجغرافيا..
حان وقت الانصاف و المصالحة مع ساكنة الجنوب الشرقي و مع أقاليم جهة درعة تافيلالت خاصة و مع التاريخ بوجه عام، و الرجوع الى جادة الصواب، ليعود المسؤولون ويحكموا ضمائرهم ويراجعوا أنفسهم والعدول عن تهميش مناطق جهة درعة تافيلالت، ورفع الحيف و الاقصاء عن مختلف أقاليم الجنوب الشرقي، وخاصة تلك المتضررة بشكل لا يوصف (املشيل، زاكورة وطاطا..) وغيرها ممن بلغ اليأس منهم مبلغه.
ونقول بأنه ليس من الجائز أن تستمر الأوضاع كما هي وفي هذه الطروف بالذات، وليس بالمعقول أن تستمر عقوبة الحرمان من الحق في التنمية المستدامة، وأن لا تنتظر الدولة الى حدوث فيضانات و سيول جارفة، لتتذكر أن هناك بقع و أراضي في الوطن تعاني من التهميش و الاقصاء في كل شيئ ، لتنهض من سباتها و تنقر جوانبها و تبحث عن ما تقوم به لذر الرماد على العيون كما هو واقع اليوم.