هبة زووم – إلياس الراشدي
يعيش المعهد الوطني للبحث الزراعي على وقع غضب غير مسبوق في صفوف الباحثين والأطر العليا، بعد الإهانة الصارخة التي تعرضوا لها جراء فرض مترشح من خارج المؤسسة مقرب من وزير سابق لشغل منصب المدير، في استهتار تام بالخبرات الوطنية التي أفنت عقودًا في خدمة البحث العلمي الزراعي.
هذه الخطوة، التي لا يمكن وصفها إلا بالإقصائية والمشبوهة، أثارت موجة استياء واسعة بين الباحثين وأطر المؤسسة، الذين يرون فيها استهدافًا ممنهجًا لمكانة المعهد وتقزيما لدوره الريادي في خدمة الفلاحة المغربية.
ليس من قبيل الصدفة أن يتم تجاهل ثلاثة من كبار الباحثين بالمعهد، الذين يملكون سجلًا علميًا حافلًا، ليتم تمديد المسابقة بشكل مريب فقط لإفساح المجال أمام شخص من خارج المؤسسة.
فهل أصبح المعهد الوطني للبحث الزراعي عاجزًا عن إنجاب كفاءات قادرة على تسييره؟ أم أن هناك أيادي خفية تعمل على ضرب المؤسسة من الداخل وطمس هويتها العلمية؟
المعهد لم يكن يومًا مجرد إدارة عادية، بل كان صرحًا أكاديميًا رائدًا، أنتج دراسات غيرت وجه الزراعة في المغرب، وأسهم في دعم الفلاحين وتحقيق الأمن الغذائي.
فكيف يُعقل أن يتم التعامل مع أطره بهذه الطريقة المهينة؟ وكيف يُفسَّر الإصرار على فرض مترشح لا تتوفر فيه الشروط القانونية المطلوبة، وكأن الهدف هو تقويض هذه المؤسسة البحثية العريقة وليس تطويرها؟
وسط هذه التطورات الخطيرة، يعيش باحثو وأطر المعهد حالة من السخط والغضب العارمين، معتبرين ما حدث صفعة غير مقبولة في وجه كل من نذر حياته لخدمة البحث الزراعي. كيف يمكن لهؤلاء أن يواصلوا العمل في ظل بيئة لم تعد تعترف بكفاءاتهم، بل تسعى إلى تهميشهم وتكريس سياسة الإقصاء؟
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد خطأ إداري، بل هو عملية ممنهجة لضرب مؤسسة كانت على الدوام في صدارة البحث العلمي الزراعي.. فمن المسؤول عن هذا العبث؟ ومن يجرؤ على اتخاذ قرارات تستخف بكفاءات المعهد؟؟؟
إن ما يجري في المعهد الوطني للبحث الزراعي اليوم هو جرس إنذار خطير، وعلى الجهات الوصية التدخل العاجل قبل فوات الآوان وعلى رأسهم وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات احمد البواري وكذلك رئيس الحكومة.
إن السكوت عن هذه الممارسات غير المسؤولة يعني المشاركة في طمس هوية هذه المؤسسة وضرب أسس البحث العلمي في المغرب. وعليه، فإن الباحثين والأطر العليا بالمؤسسة لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذا الانحدار الخطير، وسيواصلون التصدي بكل الوسائل المشروعة لحماية كرامتهم ومكانة مؤسستهم.
ومن غير المفهوم أن تُعمد بعض الجهات إلى تجاهل كفاءات المعهد الوطني للبحث الزراعي في تعيين المدير الجديد، بينما نرى أن مؤسسات مماثلة، مثل المدرسة الوطنية للفلاحة بمكناس ومعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، تحرص على تعيين مسؤولين من أبناء المؤسسة، حفاظًا على استمرارية العمل البحثي والاستفادة من الخبرة المتراكمة.
فكيف يُعقل أن يتقدم ثلاثة من كبار الباحثين بالمعهد لشغل منصب المدير، ويتم التمديد للمسابقة فقط لإفساح المجال أمام شخص من خارج المؤسسة..؟
إن المسؤولية الآن تقع على عاتق كل من يهمه أمر البحث العلمي والفلاحة الوطنية، فهل سنسمح بتمرير هذا القرار الجائر، أم سنقف وقفة رجل واحد للدفاع عن مؤسسة علمية كانت على مدى عقود في طليعة الابتكار والتطوير؟ إن التاريخ لن يرحم المتخاذلين، وحماية المعهد اليوم هي حماية لمستقبل البحث الزراعي في المغرب.
نحن اليوم، كباحثين ونقابيين وأطر عليا أفنت سنوات من العمل في خدمة البحث العلمي بالمغرب، أمام مفترق طرق مصيري، فإما أن نتصدى لمحاولات التهميش التي تستهدف المعهد الوطني للبحث الزراعي، حفاظًا على مكانته كمؤسسة أكاديمية مرموقة، أو نتركه لقوى تسعى إلى إضعاف دوره الريادي في دعم الفلاحة الوطنية.
إن المسؤولية اليوم تاريخية، والأمل معقود على الجهات الوصية للتحرك العاجل لوأد هذا العبث، وإنصاف كفاءات المعهد، حتى يواصل أداء رسالته في خدمة الأمن الغذائي والتنمية الفلاحية بالمغرب.

تعليقات الزوار