وهبي يواجه العاصفة: مشروع المسطرة الجنائية يثير الجدل بين الإصلاح والاتهامات بالتفرد
هبة زووم – محمد خطاري
في ظل التوترات المتزايدة بين وزير العدل عبد اللطيف وهبي والفاعلين السياسيين والحقوقيين، تتصاعد النقاشات حول مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي يسعى وهبي إلى إخراجه بأسرع وقت ممكن.
المشروع، الذي يهدف إلى تحديث النظام القضائي وتعزيز العدالة الجنائية، أصبح محور جدل كبير بسبب النهج الذي يتبعه الوزير في التعامل مع المعارضة الموجهة له.
وهبي: “لا مكان للتدخل السياسي”
يصر وزير العدل على أن مشروع المسطرة الجنائية يجب أن يبقى بعيدًا عن أي تدخل سياسي أو حقوقي، معتبرًا أن القوانين يجب أن تستند إلى أسس قانونية وتقنية بحتة.
خلال يوم دراسي حول مستجدات المشروع، أكد وهبي أن النقاش السياسي يجب أن لا يتجاوز حدوده وأن النصوص القانونية يجب أن تعزز قيم العدالة دون خضوعها لحسابات سياسية.
لكن هذا الموقف لم يكن محل ترحيب من قبل الفاعلين السياسيين والحقوقيين الذين يعتبرون أن التشريعات الكبرى تحتاج إلى تشاور واسع ومشاركة مجتمعية.
وهبي، الذي يبدو مصممًا على تمرير المشروع بصيغته الحالية، يواجه انتقادات شديدة لتعامله مع المعارضة وكأنها عقبة أمام تحقيق الإصلاح.
معارضة شرسة
الانتقادات الموجهة لوَهْبي ليست مجرد اعتراضات شكلية؛ بل تعكس مخاوف حقيقية بشأن بعض بنود المشروع التي قد تؤثر على حقوق الأفراد واستقلالية القضاء.
الحقوقيون يرون أن هناك حاجة إلى مراجعة شاملة للبنود التي قد تكون غير متوافقة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، بينما يعبر السياسيون عن قلقهم من أن المشروع قد يعزز سلطة الدولة على حساب الحريات الفردية.
ويرى البعض أن نهج وهبي في رفض الاستماع إلى الانتقادات يعد مؤشرًا على محاولة “فرض رؤية أحادية”، مما يجعله عرضة لاتهامات بأنه يدير العملية التشريعية بشكل فوقي وغير ديمقراطي.
التوازن المفقود
الأزمة الحالية تكشف التوتر المستمر بين السياسة والقانون، فوهبي يحاول تقديم نفسه كمفاوض تقني يعمل على تعزيز النظام القضائي، لكن السياسة بطبيعتها تتدخل في التشريعات الكبرى، خاصة عندما تكون لها تداعيات اجتماعية وحقوقية.
وهنا يكمن التحدي: كيف يمكن تحقيق التوازن بين تحديث القوانين والاستجابة لمطالب المجتمع؟
ويبدو أن وزير العدل يركز على تسريع إخراج المشروع، مؤكدًا أن التحديات التنفيذية ستكون مرتبطة بالإمكانات المادية والتقنية، ومع ذلك، فإن تجاهل المعارضة قد يؤدي إلى تصعيد التوترات وتقويض مصداقية المشروع.
هل يمكن تحقيق توافق؟
للخروج من هذه الأزمة، يحتاج وهبي إلى إعادة النظر في نهجه والعمل على فتح باب الحوار مع جميع الأطراف المعنية.
الحقوقيون والسياسيون ليسوا ضد الإصلاح، لكنهم يطالبون بأن يكون المشروع نتاج حوار مجتمعي شامل يأخذ بعين الاعتبار الحقوق والحريات.
كما أن الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان يعد ضرورة قصوى لضمان توافق المشروع مع الاتفاقيات التي وقع عليها المغرب، إذا تم تحقيق هذا التوافق، فقد ينجح المشروع في تقديم إصلاح قانوني حقيقي يعزز العدالة ويحمي حقوق الأفراد.
الخلاصة
مشروع المسطرة الجنائية يمثل فرصة تاريخية لتحديث النظام القضائي في المغرب، لكنه أيضًا اختبار حقيقي لقدرة الحكومة على تحقيق التوافق الوطني.
وإذا استمر عبد اللطيف وهبي في تبني نهج “التمرير الأحادي”، فقد يؤدي ذلك إلى تعميق الانقسامات وتهميش دور الفاعلين الأساسيين.
أما إذا فتح باب الحوار وأظهر استعدادًا للاستجابة للانتقادات، فقد يتمكن من تقديم مشروع قانون يحظى بدعم واسع ويحقق الأهداف المرجوة.
وفي النهاية، التشريعات الكبرى لا يمكن أن تُبنى على أسس فردية أو أحادية، بل تحتاج إلى إجماع وطني ودعم مجتمعي لتحقيق أهدافها.
والسؤال الذي يبقى مطروحًا: هل سيتمكن وهبي من تجاوز هذه العاصفة أم أن المشروع سيغرق في بحر الجدل؟