جمال البقالي
في مدينة طنجة، حيث تزداد الحاجة إلى جودة البنية التحتية بفعل التوسع العمراني والضغط المروري، تستمر مظاهر الإهمال في مشهد يتكرر باستفزاز لكرامة المواطن وحقه في فضاء حضري لائق.
حفرة كبيرة في مدار دار التونسي، أحد المحاور الأساسية بشارع القدس، لم تُثر فقط غضب السائقين وساكنة المنطقة، بل عرّت واقعًا مريرًا لطريقة تدبير الأشغال من طرف شركة “أمانديس”، المفوض لها تدبير الماء والكهرباء والتطهير السائل بطنجة.
أن تظهر حفرة بعد أربعة أيام من أشغال مرتبطة بإعادة تمرير قنوات الصرف الصحي، ثم تترك على حالها دون تدخل يُعيد الأمور إلى نصابها، فذلك لا يُعد خللًا عرضيًا.
بل هو تعبير عن عقلية تفتقر إلى أدنى درجات احترام المواطنين، وعن غياب تام لمبدأ المحاسبة والمراقبة، سواء من طرف السلطات المحلية أو من قبل الجماعة الترابية التي من المفترض أن تراقب مدى التزام الشركة المفوض لها بدفتر التحملات.
الشارع الذي يحتل موقعًا حيويًا وسط المدينة لم يشفع له من أن يُعامل بنفس اللامبالاة التي تُعامل بها الأحياء الهامشية.
وهذا هو بيت القصيد: إذا كان شارع القدس، بما له من رمزية وأهمية، تُترك فيه الحفر شاهدة على الإهمال، فماذا عن الأزقة والأحياء الطرفية حيث لا صوت يرتفع ولا كاميرا تتجول؟
ما تقوم به “أمانديس” ليس مجرد إخلال تقني، بل هو تعبير عن تصور اختزالي لدور الشركة المفوضة: الحفر، تمرير الأنابيب، المغادرة… وترك المواطن يصطدم مع التشوهات الحضرية ومخاطر الحوادث وتراجع جودة الحياة اليومية.
وهو ما يطرح علامات استفهام عميقة حول من يراقب هذه الشركات؟ من يُحاسبها حين تترك وراءها خرابًا مرئيًا في أرض الواقع؟ هل العقد يضمن فقط تنفيذ الأشغال، أم يُفترض فيه أن يُلزم الشركة بإرجاع المكان كما كان، وربما أفضل؟
ثم إنّ تجاهل هذه الحفرة لعدة أيام رغم شكاوى المواطنين وتداول صورها على منصات التواصل، يُجسد حالة “التبلّد المؤسسي”، حيث لا أحد يشعر بالحاجة إلى التوضيح أو التحرك، وكأن المواطن لم يعد له وزن يُحسب.
في كل هذا، لا بد أن نتحدث عن غياب ثقافة الصيانة الوقائية، وانعدام المتابعة لما بعد الأشغال، وكأن مهمة الشركة تنتهي مع خروج آخر عامل من الورش، بغض النظر عن النتائج.
والكارثة أن هذا التهاون قد يترتب عنه ما هو أخطر، من حوادث سير إلى انهيارات مفاجئة، خصوصًا إذا ما كانت الأرضية هشّة وغير مدعومة كما يجب.
الحفرة التي ظهرت بشارع القدس ليست فقط حفرة في الإسفلت، بل حفرة في الثقة بين المواطن والمؤسسة، بين ما يُعلن عنه من شعارات الحكامة الجيدة، وبين واقع تُداس فيه حقوق الناس دون حسيب أو رقيب.
إن الأمر يحتاج إلى مساءلة حقيقية، إلى تدخل واضح من والي الجهة وعمدة المدينة، لأن استمرار الوضع على ما هو عليه يعني قبولًا ضمنيًا بمنطق الإهمال والارتجال… وهذا أخطر من الحفرة نفسها.

تعليقات الزوار