هبة زووم – جمال البقالي
في مشهد صادم يتكرر، سقطت سيدة، صباح اليوم الأربعاء، في مصرف مياه مفتوح بالقرب من مقاطعة بني مكادة، في حادثة مؤلمة عرّت مجددًا هشاشة البنية التحتية واستهتار شركة “أمانديس”، المفوض لها تدبير الماء والكهرباء والتطهير السائل بمدينة طنجة، بسلامة المواطنين.
لم تكن هذه الحفرة سوى واحدة من عشرات الحفر والمصارف العشوائية التي تحولت إلى مصائد موت حقيقية وسط أحياء مكتظة بالسكان.
لكن الأخطر أن هذه الحادثة ليست معزولة. فبشارع القدس، وبالضبط عند مدار “دار التونسي”، تقبع حفرة كبيرة منذ أكثر من أسبوعين دون أي تدخل من الشركة، رغم توالي التحذيرات والتنديدات.
ويشكل الموقع أحد أكثر المحاور الطرقية الحيوية في المدينة، ما يضاعف من خطورة الإهمال، ويحول الحفرة إلى تهديد مباشر للسلامة الجسدية للسائقين والراجلين على حد سواء.
لوحات تحذير لا تُصلح الأذى
لم تجد الشركة ما تفعله سوى وضع ألواح تحذيرية حول الحفرة، في محاولة لتبرئة الذمة دون أي جهد حقيقي لحل الإشكال.
تلك “الرتوش البصرية” لم تفعل سوى تعميق الأزمة، إذ زادت من فوضى المرور وعطلت السير، وكرست صورة سلبية عن شركة يبدو أنها تعيش أيامها الأخيرة دون أدنى شعور بالمسؤولية.
عدد من المراقبين المحليين ربطوا هذا التراخي بدخول “أمانديس” في ما يشبه “المنطقة الرمادية”، بعد الإعلان عن اقتراب إنهاء عقدها وتعويضها بشركة جديدة متعددة الخدمات تابعة لمؤسسة التعاون بين جماعات جهة طنجة-تطوان-الحسيمة.
وهو ما يجعل التساؤلات مشروعة: هل قررت أمانديس طي صفحة تعاقدها على حساب كرامة المواطن الطنجي؟
قبل الرحيل.. عبث مجاني في الفضاء العام
حادثة سقوط السيدة ليست سوى تجسيد ملموس لما أصبح عليه الوضع في شوارع طنجة: تدبير مفوض تحوّل إلى “تدبير مهمل”، وحفر تنمو في الأرض كما تنمو خيبة الأمل في النفوس.
ورغم الأثمان الباهظة التي يدفعها المواطن شهريًا عبر الفواتير، يجد نفسه اليوم محاطًا بشبكات مهترئة، ومصارف مكسورة، وشوارع محفوفة بالخطر.
مصادر محلية تؤكد أن هذه المشاهد تتكرر بشكل لافت، خصوصًا في الأحياء الشعبية حيث يغيب التتبع الصارم من الجهات المنتخبة، وتكتفي السلطات بالصمت إزاء التقصير الواضح في أداء أمانديس.
بل إن بعض المتتبعين يرون أن الشركة تستعد للخروج من المدينة بـ”خفة اليد”، دون احترام لالتزاماتها حتى آخر لحظة في مدة العقد.
من يحمي المدينة من الفراغ؟
الشارع الطنجي يغلي، والساكنة تتساءل بصوت عالٍ: من يراقب الشركة؟ ومن يُجبرها على احترام دفتر التحملات؟ وأين هي السلطة الجماعية والولائية في فرض المحاسبة وضمان سلامة الفضاء العمومي؟
فمع كل يوم تتأخر فيه أمانديس عن إصلاح الحفر، يتزايد الشعور بأن المدينة تُركت لتدبر جراحها وحدها.
إن طنجة، وهي إحدى كبريات المدن المغربية، لا تستحق أن تُعامل كمجرد محطة عبور لشركات تبحث عن الربح السريع، والمطلوب اليوم هو تحقيق ميداني عاجل، ومساءلة واضحة، والتزام جماعي لضمان انتقال نظيف وعادل إلى شركة التدبير الجديدة دون إرث ثقيل من الأعطاب والاختلالات.
لأن كرامة المواطن لا ينبغي أن تُدفن في حفرة، ولا أن تكون ضحية لشركات تنسحب بهدوء بعد سنوات من الإثراء على حساب المرفق العام.

تعليقات الزوار