طنجة تغرق في سموم “الليكسيفيا”: انهيار بيئي يكشف عجز وزارة بنعلي واستهتار الجهات المفوضة

هبة زووم – محمد خطاري
عاد ملف البيئة بمدينة طنجة إلى دائرة الضوء مجدداً، بعد كشف فضيحة بيئية خطيرة تتمثل في تصريف كميات كبيرة من مادة “الليكسيفيا” السامة في مياه البحر مباشرة، دون أي معالجة أو احترام للقوانين البيئية الوطنية والدولية.
هذه الممارسات التي كشف عنها سؤال كتابي برلماني يرفع عنه النائب عبد القادر الطاهر (الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية) تفضح أخطر اختلالات تدبير النفايات في المدينة، وتطرح تساؤلات مصيرية حول آليات الرقابة البيئية والحوكمة المحلية.
المعلومات المتاحة تشير إلى أن الشركة المفوض لها تدبير مركز الطمر والتثمين بطنجة تقوم بتصريف عصارة النفايات -المعروفة بـ”الليكسيفيا”- عبر محطة ضخ تقع بميناء المدينة مباشرة إلى عرض البحر، دون وجود ترخيص رسمي أو دراسة بيئية معتمدة.
هذه المادة الخطيرة تحتوي على معادن ثقيلة ومواد عضوية ملوثة لا تتحلل بسهولة، مما يجعلها تهديدًا بيئيًا وصحيًا مباشراً.
المشكلة لا تقتصر فقط على تلويث المياه البحرية، بل تتعداه إلى مخاطر صحية جسيمة قد تواجه السكان والصيادين الذين يعتمدون على البحر كمصدر رزق، حيث يُحتمل أن تنتقل الملوثات عبر السلسلة الغذائية، مسببة أمراضًا مزمنة واضطرابات في الجهاز العصبي والتنفس.
يأتي هذا التصريف السام في وقت لا يزال فيه مركز الطمر والتثمين يعاني من عيوب هيكلية وتعثّر في تنفيذ مكوناته الأساسية، خصوصاً في ما يتعلق بمحطة معالجة “الليكسيفيا” التي يبدو أنها لم تُشغّل كما يجب.
كما تشير المصادر إلى غياب فعلي للرقابة الحقيقية على الشركة المفوضة، والتي تستمر في خرق دفتر التحملات والالتزامات القانونية والبيئية.
أثارت هذه الأوضاع موجة من القلق وسط مختصين في المجال البيئي، الذين يحذرون من أن استمرار تصريف هذه المواد السامة دون معالجة يعرض التوازن الإيكولوجي البحري للانهيار، ويهدد الإنجازات التي يحققها المغرب في مجال الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة.
يُضاف إلى ذلك، إشكالية الحكامة البيئية ومدى قدرة الجهات المختصة على ضبط ومراقبة الشركات المفوضة، التي تظهر في كثير من الأحيان بمظهر المستفيد الأكبر من غياب المراقبة الصارمة، ما يكرس بيئة حاضنة للفساد والتجاوزات.
في ظل هذه المعطيات، يطالب المجتمع المدني والبرلمانيون بفتح تحقيق بيئي قضائي مستقل يشمل جميع المسؤولين عن هذه التجاوزات، مع إلزام الشركة المفوضة باحترام دفاتر التحملات، واعتماد أحدث التقنيات في معالجة النفايات السامة.
كما تطالب منظمات بيئية وهيئات مراقبة مالية بإجراء تدقيق شامل في تدبير مراكز الطمر والتثمين، وإعادة هيكلة منظومة التدبير المفوض للنفايات، لضمان بيئة سليمة تحفظ حق المواطنين في الصحة والعيش في بيئة نظيفة وآمنة.
قضية تصريف “الليكسيفيا” في مياه البحر بطنجة ليست مجرد خلل إداري أو فني، بل هي صورة قاتمة لفشل مزدوج: فشل بيئي يؤدي إلى تدمير الموارد الطبيعية، وفشل حكامة يسمح باستمرار التجاوزات وتغييب المسؤولية والمحاسبة.
إن الوقت لم يعد يحتمل مزيداً من التهاون، والمطلوب اليوم هو تدخل جريء من الدولة، تحرك شعبي مدني، وضغط إعلامي مكثف، لتصحيح المسار وحماية مستقبل طنجة وسواحلها التي تمثل رئة بيئية واقتصادية حيوية للمنطقة.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد