هبة زووم – محمد الرباطي
أثار بلاغ حزب الأصالة والمعاصرة الأخير جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية، حيث دعا الحزب الحكومة إلى تكثيف المراقبة على المضاربين والوسطاء المفسدين الذين يتلاعبون بالأسواق ويتسببون في ارتفاع الأسعار.
كما طالب بإجراءات أكثر صرامة لمواجهة البطالة، رغم كونه جزءًا من الأغلبية الحكومية التي يفترض أن تتخذ هذه الإجراءات بنفسها بدلًا من المطالبة بها كما لو كان في المعارضة.
خطاب مزدوج يثير التساؤلات
يبدو أن الحزب، الذي يشغل مناصب حكومية مهمة، يختار تبني خطابين متناقضين؛ فمن جهة، يشارك في اتخاذ القرارات وصياغة السياسات الحكومية، ومن جهة أخرى، يخرج ببلاغات تدعو الحكومة لاتخاذ إجراءات يفترض أنها ضمن مسؤولياته التنفيذية.
هذا النهج يطرح تساؤلات مشروعة: هل هو مجرد محاولة لامتصاص الغضب الشعبي من الأوضاع الاقتصادية المتأزمة؟ أم أن هناك خلافات داخل الأغلبية تدفع بعض مكوناتها إلى اتخاذ مواقف متباينة؟
تصريحات الحزب حول ارتفاع البطالة والمضاربة في الأسواق تأتي في وقت يواجه فيه المواطنون موجة غلاء غير مسبوقة، مما يجعل الخطاب يبدو وكأنه محاولة للتملص من المسؤولية أمام الرأي العام، خصوصًا مع المطالبة بإلغاء الإعفاءات الجمركية والضريبية المفروضة على استيراد اللحوم، والتي لم تؤدِ إلى انخفاض الأسعار كما كان متوقعًا.
إشادة بقرار ملكي وسعي لكسب الشعبية
لم يفت الحزب استغلال الفرصة للإشادة بالقرار الملكي القاضي بعدم القيام بشعيرة أضحية العيد هذا العام، معتبرًا أنه يجسد حرص جلالة الملك على التخفيف من الأعباء الاقتصادية على المواطنين.
لكن هذه الإشادة، رغم مشروعيتها، لا تعفي الحكومة من مسؤوليتها في تحسين القدرة الشرائية للمواطنين بدل الاكتفاء بالتفاعل مع قرارات سيادية.
فالمواطن المغربي ينتظر إجراءات ملموسة تخفف من وطأة الغلاء وتوفر فرص الشغل، وليس فقط بيانات الإشادة دون حلول عملية.
في الميدان الحقوقي.. تناقض صارخ بين الخطاب والممارسة
على المستوى الحقوقي، شدد حزب الأصالة والمعاصرة في بلاغه على التزام المغرب بمساره الديمقراطي وضرورة حماية حرية التعبير وتحقيق توازن بين الاستقرار السياسي واحترام الحقوق الأساسية.
غير أن هذه التصريحات تتناقض بشكل واضح مع الممارسات الميدانية للحكومة التي يعد الحزب جزءًا أساسياً منها، بل والأكثر من ذلك، فإن وزير العدل عبد اللطيف وهبي، المحسوب على الحزب نفسه، كان في قلب موجة من الجدل بسبب قراراته وتصريحاته المثيرة للجدل.
فقد تعرض وهبي لانتقادات شديدة من قبل الجمعيات الحقوقية بسبب مشاريع قوانين تمس بالحريات، أبرزها مشروع القانون الجنائي الذي أثار تحفظات واسعة، حيث رأت فيه منظمات المجتمع المدني تراجعًا عن المكتسبات الحقوقية.
إضافة إلى ذلك، فإن متابعة عدد من الصحفيين والنشطاء في قضايا تتعلق بالتعبير عن الرأي تتعارض تمامًا مع ما جاء في بلاغ الحزب حول “تحصين المكتسبات الحقوقية وحماية حرية التعبير”.
فكيف يمكن لحزب يتحدث عن ضرورة حماية الحقوق أن يكون في الوقت ذاته جزءًا من حكومة يُتهم وزير العدل فيها بمحاولة التضييق على الحريات؟
هذا التناقض يجعل الخطاب الحقوقي للحزب يبدو منفصلًا عن الواقع، خاصة وأنه لم يتخذ أي موقف واضح من الممارسات التي أثارت الجدل في المشهد الحقوقي المغربي.
موقف من غزة.. بين الدعم والتذكير بالجهود الملكية
دوليًا، عبر الحزب عن ارتياحه لاستمرار وقف إطلاق النار في غزة، داعيًا إلى إنهاء الهجمات الإسرائيلية على المدنيين وتسهيل تدفق المساعدات للفلسطينيين.
كما لم يفوت الفرصة لتجديد الإشادة بجهود الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، في دعم صمود الفلسطينيين، في خطوة تعكس رغبة الحزب في الظهور كمدافع عن القضايا القومية مع التأكيد على النهج الدبلوماسي الرسمي للمملكة.
هل هو لعب على الحبلين أم مراجعة داخلية؟
يبدو أن حزب الأصالة والمعاصرة يحاول اللعب على الحبلين، إذ يسعى إلى كسب الشعبية عبر خطاب نقدي للحكومة التي هو جزء منها، في محاولة واضحة لإرضاء الشارع دون إغضاب شركائه في التحالف الحاكم.
لكن هذه الاستراتيجية قد تأتي بنتائج عكسية، إذ أن المواطنين أصبحوا أكثر وعيًا بهذه الأساليب، ولن يقبلوا بخطاب مزدوج لا ينعكس على أرض الواقع.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل سيمر هذا البلاغ مرور الكرام، أم أنه مؤشر على مراجعات داخلية للحزب وسعيه لإعادة التموضع سياسيًا قبل الانتخابات المقبلة؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف الحقيقة.

تعليقات الزوار