قانون “الجبايات” يُشعل صراع الصلاحيات بين الخزينة العامة والضرائب

هبة زووم – الرباط
يثير القانون الجديد المتعلق بجبايات الجماعات الترابية، الذي صادق عليه البرلمان يوم 13 ماي المنصرم، جدلاً واسعاً في دواليب وزارة الاقتصاد والمالية، بعدما تسبب في سحب صلاحيات واسعة من الخزينة العامة للمملكة، وإسنادها إلى المديرية العامة للضرائب، ما يضع أزيد من 6000 موظف تابعين للخزينة أمام مصير إداري غامض، وسط صمت لافت من مسؤولي الوزارة الوصية.
القانون الذي لم يُنشر بعد في الجريدة الرسمية، يأتي بمبادرة من وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، ويقضي بإسناد مهام إصدار وتحصيل رسم السكن ورسم الخدمات الجماعية إلى مصالح إدارة الضرائب، عوض الخزينة العامة، في إطار مبدأ “من يُصدر الجباية هو من يُحصّلها”، وهو ما يُعيد رسم خريطة الاختصاصات المالية للجماعات الترابية في المغرب.
لكن الخطوة لم تمرّ بهدوء داخل الجهاز المالي للدولة. فقد عُقد اجتماع تقني “ماراطوني” داخل وزارة الاقتصاد والمالية على ثلاث مراحل، ضم ممثلين عن الخزينة العامة، ومديرية الضرائب، ومديرية الشؤون الإدارية والعامة، لمناقشة الكيفية التقنية والقانونية لنقل هذه الاختصاصات الحساسة، وسط تحفظات قوية من الخازن العام نور الدين بنسودة، الذي بدا غير مستعد للتخلي عن موظفيه أو القبول بالترتيبات الجديدة كما طُرحت.
من جهتها، أكدت المديرية العامة للضرائب أن مصالحها غير جاهزة حاليا لتحمّل الأعباء الجديدة، نظراً لقلة الموارد البشرية، ما دفعها إلى طلب تأجيل نشر القانون في الجريدة الرسمية، في انتظار وضع هيكلة تنظيمية جديدة قادرة على استيعاب المهام المُحوّلة.
في المقابل، عبّرت الخزينة العامة، التي فقدت وفق بعض التقديرات ما بين 70 إلى 80 في المائة من اختصاصاتها، عن رفضها تسريح موظفيها، رغم تقلّص حجم المهام المتبقية لديها. بل شرعت في تنفيذ حركة انتقالية داخلية شملت نقل أطر من القباضات إلى الوكالات البنكية ومصالح النفقات بالخزائن الإقليمية، كما تخطط لإنشاء سبع خزائن إقليمية جديدة خلال الأسابيع المقبلة.
وأبدى مسؤولو الخزينة مرونة فقط في ما يتعلق بالتخلي عن 2700 موظف ملحقين من الجماعات الترابية، وهو قرار لا تملكه فعلياً، إذ يبقى في يد الجماعات المعنية التي ألحقتهم أصلاً بمصالح الخزينة.
ورغم حساسية الملف وتبعاته الإدارية والتنظيمية، تُسجّل غياب أي تدخل حاسم من وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي، التي لم تصدر أي توضيح أو موقف رسمي بشأن هذه الأزمة، ما يُفاقم حالة الترقب والتوجس في أوساط الموظفين والإدارات المعنية.
ويعيد هذا الملف إلى الواجهة الصراع التاريخي بين الخزينة العامة والمديرية العامة للضرائب، خصوصاً أن الخازن العام الحالي نور الدين بنسودة سبق أن ترأس إدارة الضرائب ما بين 1999 و2010، وهي الفترة التي شهدت أولى عمليات نقل اختصاصات جبائية كبرى من الخزينة إلى إدارة الضرائب.
يثير القانون الجديد في عمقه سؤال النموذج الجبائي المحلي المنشود: هل نحن بصدد إعادة تجميع الجبايات في يد إدارة واحدة لتبسيط المساطر وتحسين النجاعة؟ أم أن العملية تُدار بعقلية تقنوية تُغفل تداعياتها على التوازنات الإدارية والمؤسساتية؟
الجواب سيتضح خلال الأيام المقبلة، خاصة مع اقتراب موعد نشر القانون في الجريدة الرسمية، وما سيترتب عليه من خطوات عملية ترسم ملامح علاقة جديدة بين الخزينة العامة ومديرية الضرائب، في واحدة من أكثر التحولات الإدارية حساسية منذ إصلاح الجبايات في بداية الألفية.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد