هبة زووم – حسن لعشير
في خطوة تحمل أبعادًا إنسانية وأخرى سياسية، شرعت حكومة مدريد مؤخرًا في تفعيل خطة جديدة ترمي إلى تخفيف الضغط المتزايد على مراكز إيواء القاصرين غير المصحوبين في سبتة ومليلية، من خلال نقل أعداد منهم إلى جهات داخل التراب الإسباني.
هذه المبادرة تأتي استجابة لحالة الاكتظاظ الخانقة التي تعرفها مراكز الاستقبال في الثغرين المحتلين، والتي فاقت منذ أشهر طاقتها الاستيعابية، وفق ما أوردته صحيفة الفارو المحلية.
وتنص الخطة، التي يُرتقب أن تُعرض تفاصيلها خلال مؤتمر قطاعي بالعاصمة مدريد يوم الجمعة المقبل، على توزيع القاصرين الوافدين بشكل غير نظامي، ليس فقط من سبتة ومليلية، بل أيضا من جزر الكناري وجزر البليار، على باقي الجهات الإسبانية، بحسب توفر المنشآت الجاهزة لاستقبالهم.
ولتأمين هذه العملية، تعتزم الحكومة المركزية إصدار مرسوم تنظيمي جديد ضمن إطار ما تسميه “الاستجابة لحالات طوارئ الهجرة”، ما يُتيح تفعيل عمليات النقل بشكل مستعجل.
كما خصصت وزارة الشؤون الاجتماعية ميزانية استثنائية تبلغ 22 مليون يورو لتمويل المشروع، ستوزع على النحو التالي: 7 ملايين يورو لسبتة، 4.5 ملايين لمليلية، 8.5 ملايين لجزر الكناري، و2 مليون لجزر البليار.
ويتوقع أن تبدأ أولى عمليات الترحيل خلال فصل الصيف الجاري، فور مصادقة مجلس الوزراء على المرسوم المرتقب، على أن يُعقد مؤتمر قطاعي ثانٍ في يوليوز المقبل من أجل الحسم في الجوانب القانونية والتنظيمية المتبقية، وتحديد مسؤوليات كل جهة في عملية الاستقبال والرعاية.
غير أن الخطة لا تخلو من عقبات سياسية، فبينما أبدت بعض الحكومات الجهوية استعدادها للمشاركة في عملية الاستقبال، لم تعلن أخرى، خصوصًا تلك التي يسيطر عليها الحزب الشعبي، موقفًا واضحًا من العملية، ما يُنذر بتحول الملف إلى مصدر توتر سياسي داخلي قد يُعرقل التنفيذ السلس للمخطط.
ويُعتبر ملف القاصرين غير المصحوبين من أعقد التحديات التي تواجهها السلطات الإسبانية، لاسيما في الثغرين المحتلين سبتة ومليلية، فبحسب تقارير ميدانية وشهادات من جمعيات محلية، فإن ظروف الإيواء والرعاية لم تعد تستوفي حتى الحد الأدنى من المعايير الإنسانية، ما يستدعي تدخلاً هيكليًا بدل الاقتصار على حلول ظرفية.
ويطالب عدد من المنتخبين والفاعلين المحليين في سبتة ومليلية بوضع آلية توزيع عادلة ودائمة على مجموع التراب الإسباني، لتقاسم الأعباء وتفادي التركيز المفرط لهؤلاء القاصرين في مدن حدودية محدودة الموارد، ويحذرون من أن استمرار الضغط على بنيات الإيواء المحلية يُفاقم هشاشة الأطفال القادمين، ويُثقل كاهل سلطات لا تملك سوى موارد محدودة أصلاً.
وتُظهر هذه الخطة الحكومية، رغم ما تحمله من نوايا إيجابية، أن إشكالية الهجرة غير النظامية، خاصة في شقها المتعلق بالقاصرين، ما زالت تطرح تحديات كبيرة لإسبانيا، سواء من ناحية الموارد أو من زاوية التوافق السياسي بين مكوناتها الجهوية.
فهل تُفلح مدريد في تحقيق التوازن بين الاستجابة الإنسانية وحفظ التماسك الداخلي؟ سؤال ستُجيب عنه التطورات المرتقبة خلال الصيف الجاري.

تعليقات الزوار