واقعة بوجيبار تعيد “قابلية الحسيمة للتعمير” إلى الواجهة

الغبزوري السكناوي – الحسيمة
أعاد قرار إغلاق الجهات الوصية لمسجد حي بوجيبار، بداية رمضان 11 مارس 2024، إلى واجهة الشأن المحلي سلسلة من التساؤلات حول واقع التعمير بهذه المدينة، وبالضبط حول مصير “خارطة قابلية الحسيمة للتعمير” التي حددت أربع مجموعات تشمل مناطق بعيدة عن المخاطر، مناطق لا يمكن البناء فوقها بسبب المخاطر الكبيرة، مناطق معرضة للمخاطر ويمكن البناء فوقها بشروط تخص التهيئة العامة، ومناطق معرضة للمخاطر يمكن البناء فوقها شريطة الالتزام بضوابط هندسية خاصة.
الجدل الذي صاحب قرار الإغلاق لم يكن من منطلق واحد، ولم تحكمه نفس الإعتبارات، فهناك من أثار ظرفية القرار، وهناك من توقف عند الدواعي، فيما ذهب البعض الأخر إلى إثارة مسؤولية الوزارة الوصية، وكيف تفاعل ممثلها مع مطالب الساكنة وعمل على تصريف قرار الإغلاق الذي قيل أنه أتى للحفاظ على السلامة العامة للمصلين، وتفاديا لأي انهيار محتمل للبناية.
شخصيا لا أريد، في هذا المقام، أن أعود إلى هذا القرار من منطلق ما صاحبه من جدل حول التأخر في إخبار الساكنة، ولا من باب “البديل” الذي قدمته اغنى وزارة في البلد للساكنة وهي تغلق بيتا من بيوت االله في شهر تزداد فيه الأجواء الروحية والإقبال على المساجد، كل هذه الجوانب قد يتغاضى عنها الإنسان، ويمكن أن تعتبر مجرد هفوات مسؤول إقليمي حملته الصدفة إلى وزارة التوفيق، وبالتالي لم يوفق في تجسيد مبادئ وقواعد الحكامة الجيدة.
أهم ما كشف عنه قرار الإغلاق أن بعض الإدارات والمؤسسات لا زالت تخضع لتدبير، أقل ما يقال عنه، أنه “هاوي”، ولعل ما يؤكد هذا الإنطباع أن المندوبية لم تستطيع توفير خيمة للمصلين لولا “بصمة الخير والمحسنين”، ولكن ليس هذا فقط، بل لا بد من الإشارة إلى أن المندوبية تتوفر على “عيون” تمد الوزارة بكل صغيرة وكبيرة تقع في المساجد، ومراقبين ينجزون تقارير دورية عن وضعية المساجد وتجهيزاتها وأنشطتها، فلا أدري الذي حدث ولم ينتبه أحد لوضعية هذا المسجد الذي بني ربما سنة 1993، و”قاوم” زلزال 1994 و2004، ورغم ذلك لم يحظى من وزارة التوفيق ولو بـ”لمسة جير”.
ولكن كل هذا لا يهم أمام باقي جوانب هذا الجدل، وأمام الوجه الأخر لهذا الملف، والذي لا يعلمه، ربما، “مندوب الصدفة” ولا حتى السيد العامل، وهذا الوجه الأخر هو الخطير في الموضوع ويتعلق بواقع التعمير بهذا الحي، وكيف تحول في ظرف وجيز من منطقة مهددة بانجراف التربة وبالفوالق الزلزالية إلى غابة من الإسمنت وتجزئات فوق أخاديد كانت تجري فيها المياه إلى حدود الأمس، وكيف يمكن تصنيف هذا الواقع العمراني في ضوء “رؤية تنمية الحسيمة الكبرى” التي عرضت على الملك سنة 2011.
إن الربط بين واقعة مسجد بوجيبار وهذه الرؤية يجد مبرره في كون قرار الإغلاق استند، حسب الجهات الوصية، الى دراسة علمية أنجزها مكتب مختص خلص في نتائجها إلى أن المسجد مهدد بفالق زلزالي، وطيعا هذا ليس بالمستبعد، وفي الحقيقة حسنا فعلت السلطات الإقليمية -في شخص السيد العامل- حين أمرت بإغلاق المسجد، ولكن بالمقابل يجب أن تفتح تحقيقا في ملف البناء بهذا الحي، وغيره من أطراف المدينة، والبحث عما كان مؤطرا بوثاىق تعمير تستند إلى “رؤية تنمية الحسيمة الكبرى” وتضعها كمرجع.
الرؤية، وما فيها، ترتكز على دراستين علميتين، الأولى هي “خارطة قابلية إقليم الحسيمة للتعمير” والثانية تتعلق ب “المخطط المديري للتهئية العمرانية للحسيمة الكبرى” وهما دراستين أنجزتا بكلفة تفوق 20 مليون درهم، وشارك فيها 50 مهندسا وخبيرا على المستوى العالمي، ووقتها كانت هذه الرؤية، التي تروم تنظيم المجال وتهيئة وفتح مناطق جديدة مؤهلة للتعمي، الأولى من نوعها في المغرب وافريقيا، ولكن صراحة لا أدري درجة التزام أقسام التعمير بالجماعات والعمالة بمقتضيات هذه الرؤية، خاصة أمام الإنتشار المهول للبناء في جميع الإتجاهات واستباح كل الفضاءات.
وإذا كان المسجد مهددا بفالق زلزالي فهذا مفهوم لأنه بني قبل إنجاز هاتين الدراستين، ولكن الأمر غير المفهوم أن محيط المسجد به العشرات من المنازل التي حصلت على رخص البناء في السنوات الأخيرة فقط، بل وفي نفس خط هذه البناية غربا وشرقا، جنوبا وشمالا توجد مساكن وعمارات فاخرة نتمنى أن لا تكون هي أيضل مهددة!! وان يمتع الله هذا الفالق بالتموج السلس حتى يرسم لنفسه مسارا بعيدا عن باقي البنايات التي تعود ملكيتها لبعض المحظوظين أو المنتخبين، وندعو الله العلي القديرعاجل التمكين للسيد المندوب في أن تحظى وزارته من أهل الخير والأوقاف بقطعة أرضية وقفية لبناء مسجد بديل ولو بمحاذاة بعض التجزىات الخاصة!! فخير الله يأتي دفعة واحدة، أما، لي ولكم، فإني أسأل الله السلامة من شر ما أرى وأسمع، وأعوذ بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد