مركز الدراسات والبحوث الأكاديمية يضع تدبير الحكومة للشأن الوطني وارتباطاته بالسياق الإقليمي والدولي على مجهر البحث
هبة زووم – المحمدية
احضنت قاعة الاجتماعات بفضاء 5 أكتوبر الثقافي بمدينة المحمدية، مساء يوم الجمعة 04 أكتوبر الجاري انطلاقا من الساعة السابعة مساء، ندوة علمية مرموقة نظمها مركز الدراسات والبحوث الأكاديمية، حيث تناولت بعمق عدة قضايا ملحة تهم تدبير الحكومة الشأن الوطني وارتباطاته بالسياق الإقليمي والدولي.
جمعت الندوة نخبة من الأكاديميين والباحثين، إلى جانب حضور لافت من الطلبة والمهتمين والصحفيين، حيث تمحورت المناقشات حول أربعة محاور رئيسية: التحولات الوطنية والدولية الراهنة، دور الأحزاب السياسية في المغرب، قضايا الهجرة، وتقييم أداء المؤسسات الدستورية والبرلمانية في المملكة.
وتم تسيير و إدارة الندوة من طرف الصحفي الدكتور كريم القرقوري، الذي نجح في توجيه النقاش وإثراء الحوار بين المشاركين، وشارك في تقديم المداخلات كل من الدكتور عمر الشرقاوي، والدكتور سعيد خمري، والدكتور المهدي منشيد، إضافة إلى الدكتور محمد ملمان، رئيس مركز الدراسات والبحوث الأكاديمية، وهم أساتذة جامعيون بكلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية بالمحمدية.
قدم المتحدثون تحليلات معمقة للقضايا المطروحة، مسلطين الضوء على التحديات التي يواجهها المغرب في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية. كما ناقشوا سبل تفعيل دور الأحزاب السياسية في الحياة العامة، وتطرقوا إلى ملف الهجرة وتداعياته على المستويين الوطني والدولي.
وعدد عمر الشرقاوي في مداخلته الرهانات التي تواجه الحكومة الحالية بداية الموسم السياسي الحالي، حيث ينتظر إلقاء القاء الملك لخطاب الدخول البرلماني أمام أعضاء البرلمان بغرفتيه والذي يعتبر خطابا توجيهيا يساهم في رسم معالم السياسة العمومية، وحصرها في ست رهانات أولها تجديد هياكل مجلس المستشارين في ظل ما تعرفه أحزاب الأغلبية مركزا على تدبير الصراع السياسي والذي ربطه بالتعديل الحكومي المرتقب في قادم الأيام حسب عمر الشرقاوي.
وأكد الشرقاوي أن السنة الرابعة من عمر الحكومة تعتبر فرصتها الأخيرة لتنزيل وإخراج النصوص القانونية واستكمال المنظومة التشريعية مضيفا أن السنة الخامسة تعتبر انتخابية بامتياز تهيمن عليها قوانين الانتخابات، الرهان الثالث لخصه في العمل على استكمال تنزيل المنظومة القانونية لمأسسة الدولة الاجتماعية مطالبا الحكومة بتسريع وتيرة عملها للوفاء بتعهداتها الانتخابية، الرهان الرابع واعتبره رهانا استراتيجيا وهو ما يتعلق بالسياسة المائية بالبلاد، الرهان الخامس المتعلق بالتحكم في السوق الداخلية متسائلا عن الكيفية التي ستعمل بها الحكومة والبرلمان لمحاية السوق وضبط الأسعار واحترام القدرة الشرائية للمواطن الذي اعتبره برجماتيا تهمه كل المور المتعلقة بجوانب حياته اليومية، وفي الرهان الأخير ركز على مسألة الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي في ظل التوترات التي تعرفها البلاد على مختلف القطاعات مذكرا ملف طلبة الطب والوساطات التي تعسى لوضع حد لهذه التوترات.
وتمحورت مداخلة الدكتور سعيد خمري على الدخول السياسي والذي ركز فيه على قضية صدور قرار محكمة العدل الأوروبية والآثار المحتملة لهذا القرار والمرتبطة بقضية الوحدة الوطنية وما حققه المغرب من مكاسب على المستوى الدولي والإقليمي والمتمثلة في الاعتراف الذي حظي به المقترح المغربي، وعرج أيضا على مسألة إرساء أسس الدولة الاجتماعية معتبرا أننا لم نصل بعد للدولة الاجتماعية مستشهدا بما تعرف البلاد من مطبات ومشاكل اجتماعية، مشيرا لقضية إدارة الأزمات وإشكالية العدالة المجالية والتي لخصها في ثلاثة محطات: كورونا وزلزال الحوز وفيضانات الجنوب الشرقي التي كشفت تفاوتا مجاليا صارخا، واعتبر أن تدبير الشأن العمومي خلال هده الولاية الحكومية يسير بسرعات مختلفة، حيث أن المؤسسة الملكية باختصاصاته الدستورية تتخذ قرارات مهمة ومهيكلة، وسرعة ثانية بطيئة وبوتيرة غير منسجمة للسلطة التنفيذية أو الحكومة والتي لا يكاد الشعب المغربي لا يعرف بعض أسماء وزرائها.
وبالمقابل أضاف أنه كان ينتظر من المؤسسة البرلمانية أن تتجاوز تلك الصورة التي رسمت لها باعتبارها فقط غرفة للتسجيل وليس للإنتاج التشريعي والرقابة على عمل الحكومة، والذي يستبق الأزمات الاجتماعية ويتجاوب مع الحاجات الاجتماعية في حينها ولعب دور الوساطة، فيما اعتبر أن الأحزاب بدرجات متفاوتة تطبعها سمة عدم التفاعل مع نبض الشارع ونبض المجتمع خلال الأزمات المذكورة حيث ارتكنت الأحزاب الى الخلف ولم تقم بالدور المنتظر منها في الوقت الذي شهدنا فيه مبادرات المجتمع المدني.
من جانبه، ركز المهدي منشد في مداخلته على أن ما يقع بالمغرب مرتبط بالأحداث والمحيط الإقليمي والدولي وما له من وقع على صناع القرار بالبلاد، مذكرا بالحرب الأكرانية الروسية وما يقع بالشرق الأوسط والذي يمكن أن يغير معالم العالم مشيرا لما تشهده بعض الدول كاليمن والسودان وفلسطين ولبنان وليبيا وتونس، مشيرا لما ستتسبب فيه هذه الأوضاع من أزمات المغرب ليس في منأى عنها، وأشار منشيد للهجرة الجماعية لآلاف للشباب المغاربة الذين حاولوا في 15 شتنبر الماضي الانتقال للضفة الأخرى وهي العملة التي تحمل في طياتها تساؤلات حارقة خصوصا وأن من بينهم أطفالا لا تتعدى أعمار12 سنة والذين اعتبر أن مكانهم الطبيعي هو الأسرة و المدرسة بغض النظر عن السياقات الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما اعتبر وضعا اجتماعيا خطيرا وتراجعا عن قيم المغاربة مشيرا إلى كون الأسرة في ظل هذا الوضع قد قدمت استقالتها وكذلك المدرسة وصناع القرار في ظل عجزهم عن ضمان ظروف العيش الكريم لمن يفترض فيهم أن يكونوا نخب وأطر الغد، مركزا أن الوضع بديار المهجر ليس ورديا كما يرسمه تجار الأزمات وتجار البشر.
وأكد منشيد أن ما تعيشه البلاد من أوضاع اجتماعية متردية هو نتاج الحكومات المتعاقبة على تسيير الشأن العام منذ الاستقلال والتي فشلت في بناء سياسة اجتماعية تحافظ على كرامة المغاربة ومن ضمنهم الحكومة الحالية والتي لم تستثمر في بناء الإنسان المغربي.
وشهدت الندوة تفاعلاً كبيراً من قبل الحضور، حيث فتح باب النقاش والأسئلة في ختام اللقاء، مما أثرى الحوار وعمق الفهم حول القضايا المطروحة.
واختتمت الفعالية بتقديم شهادات الحضور للأساتذة المشاركين، تقديراً لمساهماتهم القيمة في إثراء النقاش العلمي وتسليط الضوء على القضايا الراهنة التي تهم المجتمع المغربي.
تأتي هذه الندوة ضمن سلسلة من الأنشطة العلمية التي ينظمها مركز الدراسات والبحوث الأكاديمية، بهدف تعزيز الحوار وتبادل الأفكار حول القضايا الوطنية والدولية الملحة، مؤكدة على دور المؤسسات الأكاديمية في تحليل وفهم التحديات التي تواجه المجتمع المغربي المعاصر.