المعارضة الاتحادية تنتقد الحكومة وتتهمها بالتغاضي عن الفساد الذي ينخر الاقتصاد الوطني

هبة زووم – الرباط
شن الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية بمجلس المستشارين هجوماً عنيفاً على مشروع قانون المالية لسنة 2025، معتبراً أنه يفتقر إلى الرؤية الاقتصادية الواضحة والأهداف التنموية الطموحة.
وقد وصف المتحدث باسم الفريق المشروع بـ”الوثيقة المحاسبية”، مؤكداً أنه لا يعكس إرادة سياسية حقيقية لإحداث تغيير جذري في الاقتصاد الوطني.
وركزت المعارضة بشكل خاص على قضية الفساد المتفشية، والتي ترى أنها تقوض جهود التنمية وتؤثر سلبًا على حياة المواطنين.
هذا، وقد انتقد الفريق الاشتراكي غياب الرؤية الاقتصادية الواضحة في المشروع المالي للحكومة، وعدم تحديد أهداف واضحة للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
وأكدت المعارضة الاشتراكية على أن مشروع قانون المالية لسنة 2025 غارق في العموميات، وتكرار للأهداف والمبادئ التي أسست عليها مختلف قوانين المالية السابقة، فهو لا يتضمن أي إجراءات عملية لإرساء الحكامة الاقتصادية، وتحسين مناخ الأعمال ومحاربة المضاربات والاحتكار المضر بالنظام الاقتصادي، ولا يتضمن أي إجراءات لتفعيل التتبع والتقييم لعقود الاستثمار والتزامات المستثمرين فيما يتعلق بالمشاريع الاستثمارية المستفيدة من التحفيزات العمومية. كما لا يتضمن أي إجراءات لاعتماد البرامج التعاقدية ودفاتر التحملات لمحاربة اقتصاد الريع والحد من الاحتكارات.
عدم كفاية الإجراءات لمكافحة الفساد
رغم التأكيد الحكومي على مكافحة الفساد، إلا أن الفريق يرى أن الإجراءات المتخذة لا تزال غير كافية، مشيراً إلى تراجع المغرب في مؤشر إدراك الفساد.
وفي هذا السياق، تساءلت المعارضة بطريقة استنكارية على أنه إذا كانت الحكومة قد اعتبرت في برنامجها “محاربة الفساد أولوية وطنية، والتزمت بالعمل على تطبيق الآليات الرقمية بالمصالح الإدارية لتقليص فرص الفساد الإداري، فما هو تفسيرها لتراجع المغرب في مؤشر إدراك الفساد بخمس نقاط خلال السنوات الخمس الأخيرة؟
ورغم أن ظاهرة الفساد تكلف المغرب ما يفوق 50 مليار درهم سنويا (من 3.5 إلى6% من الناتج الداخلي الخام)، إلا أن الحكومة لا تقوم باتخاذ تدابير جدية للحد من تفاقم وضع الفساد، حيث سجلت المعارضة، بكل أسف، ضعف فعالية الجهود الحكومية للتصدي لهذه الآفة الخطيرة.
واعتبرت المعارضة في تدخلها على أنه من بين أهداف الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد جعله في منحى تنازلي بشكل ملموس وبصفة مستمرة وتعزيز ثقة المواطنين، وتحسين مناخ الأعمال وتموقع المغرب دولياً، لكن للأسف، ظلت هذه الأهداف بعيدة المنال، حيث نبهت المعارضة غير ما مرة الحكومة لهذا القصور البيِّن في توطيد قيم النزاهة والحد من الفساد.
تدهور القدرة الشرائية
انتقد الفريق ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، وخاصة الفئات الهشة، معتبراً أن الحكومة لم تتخذ إجراءات كافية لمواجهة هذه المشكلة.
وفي هذا الإطار، اعتبرت المعارضة أن تجاوزات تحديد الأسعار، خاصة الارتفاع المهول لأسعار المحروقات والتي حققت معه الشركات هوامش ربـــح مفرطة، قد أضر غاية الضرر بالقدرة الشـــرائية للمواطنات والمواطنين، فضلا عن تأثيراته الكارثية على القدرة التنافسية للمقاولات الصغرى والمتوسطة، ولم تحرك الحكومة ساكنا.
وتساءلت المعارضة عن دور الحكومة في تتبع المعاملات الاقتصادية اليومية في إطار محاربة الغش والفساد”؟ وهو ما يبقى السؤال متمردا في أذهان المعارضة، ليس عن أسباب ارتفاع الأسعار وتدابير مكافحة التضخم، بل عن سبب العجز عن تحسين القدرة الشرائية للمواطنين؟ وإن كانت المعارضة نتفهم تداعيات ما يسمى بـ”التضخم المستورد”، والتضخم الذي تفرضه الطبيعة، فإنها لا تفهم عجز الحكومة عن محاربة التضخم الناتج عن المضاربة في الأسعار والاحتكار؟
ضعف الحماية الاجتماعية
اعتبر الفريق أن الحماية الاجتماعية لا تزال غير كافية، وطالب بتحسين أوضاع المتقاعدين والأشخاص في وضعية إعاقة، وتوسيع تغطية التأمين الصحي.
كما أكدت المعارضة الاشتراكية إلى المغرب اليوم بحاجة إلى “ميثاق وطني” تُحدد فيه الأهداف العامة والتوجهات الاستراتيجية في مجال التنمية البشرية والحماية الاجتماعية، يعمل فعلا على مبدأ “عدم ترك أي أحد خلف الركب”، ليرى على أن الحكومة لا تستجيب لهذا المبدأ، وتكرس جهودا مضاعفة لتحقيقه.
ودعا الفريق الاشتراكي إلى ضرورة الالتفات إلى معاناة المتقاعدين وذوي حقوقهم والعمل على إيجاد حلول شاملة ومستدامة لتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، حيث آن الأوان لإعطاء مضمون فعلي لشعار “تقوية وتماسك النسيج الاجتماعي”.
كما طالب بإقرار زيادة في معاشاة المتقاعدين بما يتوافق والزيادات المتتالية في الأسعار، خاصة رفع الحد الأدنى منها، مع تمكين المتقاعدين وذوي الحقوق من الحصول على كافة المستحقات الخاصة بهم وتوفير الرعاية الاجتماعية بشكل شامل وتعزيز حقوقهم وتحسين ظروفهم المعيشية.
وبخصوص الأشخاص في وضعية إعاقة، وصعوبة ولوجهم إلى سوق الشغل، وشتى صنوف التهميش التي تعاني منه هذه الفئة على جميع المستويات، فقد طالب الفريق بإيلاء أهمية خاصة لحماية حقوق هذه الفئة والنهوض بها، وتمكينهم اجتماعيا واقتصاديا، وإدماجهم في سوق الشغل، وضمان كل شروط العيش الكريم لهم، ووضع كل الشروط التيسيرية أمامهم للمساهمة في تنمية البلاد.
وفي هذا الإطار، تساءل الفريق عن السبب وراء تلكؤ الحكومة في تفعيل مقتضيات القانون الإطار رقم 13-97 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها، خاصة مقتضيات المادة 6 منه المحدثة بموجبها نظاما للدعم الاجتماعي والتشجيع والمساندة لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، ومتى ستستفيد هذه الفئة من ضمان دخـل أساسـي وفقا لتوصيـة منظمـة العمـل الدوليـة رقم 202 بشأن الأرضيات الوطنية للحماية الاجتماعية.
كما أكد الفريق الاشتراكي على أننا اليوم في حاجة ملحة لإرساء نظام مندمج ومتناسق ومتكامل للحماية الاجتماعية يضمن من جهة تحقيق الحماية للفئات الاجتماعية الهشة وفق مبادئ العدالة والإنصاف والفعالية، والرفع من جودة حكامة المنظومة ودعم فعاليتها ونجاعتها وقدرتها على إحداث الأثر المتوخى منها وضمان استدامتها.
ومن باب الإنصاف، دعت المعارضة الدولة المغربية لتحمل مسؤوليتها في تدبير أنظمة التقاعد والحفاظ على مكتسبات الموظفين والموظفات وكافة الأجراء، وعدم المساس بها.
كما أن على الحكومة ابتكار حلول جذرية لإشكاليات التقاعد بعيدة عن جيوب ومدخرات الأجراء، بعيدا عن الحلول السهلة المكوَّنة من الرفع من السن إلى 65 سنة، والرفع من المساهمات، والتخفيض من قيمة المعاشات، يشدد الفريق الاشتراكي.
غياب الإرادة السياسية للإصلاح
أكد الفريق أن المشروع يفتقر إلى الإرادة السياسية لإجراء الإصلاحات الهيكلية اللازمة، مثل إصلاح النظام الجبائي ومحاربة اقتصاد الريع.
وفي هذا الباب، اعتبر الفريق الاشتراكي على أن مشروع قانون المالية جاء بمراجعة جدول أسعار وأشطر الضريبة على الدخل، في غياب أي إجراءات لإصلاح النظام الجبائي إصلاحا شمولياً، لتحقيق مبدأ العدالة الضريبية.
وأمام أهمية هذا الإصلاح الجزئي، خاصة أمام واقع الارتفاع المهول لتكاليف العيش، نبه الفريق إلى ضرورة الانكباب على ورش إصلاح النظام الجبائي، باعتبار السياسة الجبائية عاملا حاسماً في دعم الاستثمار المنتج وفي التحفيز على إنتاج الثروة وإحداث فرص الشغل، من خلال قواعد وآليات للإنصاف الجبائي، وملاءمة قواعد القانون الجبائي مع القواعد العامة للقانون، وتكثيف عمليات محاربة الغش والتملص الضريبيين.
وهنا اعتبرت المعارضة الاشتراكية على أن هذا الورش الإصلاحي لازال مؤجلاً كغيره من الأوراش الإصلاحية الكبرى، إلى حين توفر الإرادة السياسية الحقيقية لمباشرة الإصلاحات الهيكلية غير القابلة للتسويف والانتظار.
تعتبر مداخلة الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية نقدًا لاذعًا لمشروع قانون المالية لسنة 2025، وتطرح تساؤلات جدية حول التوجهات الاقتصادية للحكومة. فهل تستجيب الحكومة لهذه الانتقادات وتقوم بتعديلات جوهرية على المشروع؟ أم أنها ستصر على موقفها؟ الإجابة عن هذا السؤال ستحدد مسار الاقتصاد المغربي في السنوات المقبلة.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد