المنظمة الديمقراطية للشغل تطلق النار على حصيلة الحكومة وتصفها بالمتواضعة

هبة زووم – محمد خطاري
في تقرير حاد النبرة، انتقدت المنظمة الديمقراطية للشغل أداء الحكومة المغربية خلال عام 2024، مشيرة إلى تراجع الأداء الاقتصادي وتفاقم المشاكل الاجتماعية.
ورغم بعض الإنجازات، فإن التقرير يسلط الضوء على تحديات كبيرة تواجه البلاد، من بينها ارتفاع البطالة، وتدهور الخدمات العامة، وزيادة الفقر.
هذا، وسلط التقرير الضوء على تدهور الأوضاع الاقتصادية، حيث يواجه الاقتصاد تحديات كبيرة، أبرزها بطء النمو الاقتصادي الذي لم يتجاوز 3%.
ويعزى ذلك إلى عدة عوامل، منها ضعف الإنتاجية، وارتفاع المديونية الخارجية التي بلغت مستويات قياسية بسبب التزامات الدولة بمشاريع كبيرة مثل استضافة كأس العالم، بالإضافة إلى ذلك، يعاني الاقتصاد من الاعتماد الكبير على الاستيراد، مما يجعله عرضة لتقلبات الأسواق العالمية.
و أرجع التقرير هذا الضعف إلى غياب المنافسة بسبب الحواجز الإدارية و الضريبية، التي تمنح بعض الفاعلين حماية من المنافسة، ما يحد من تطوير قيمة مضافة حقيقية، كما أن عملية التصنيع في المغرب تواجه تحديات كبيرة بسبب قلة إقبال المستثمرين المغاربة على القطاع الصناعي، على الرغم من وجود تحفيزات حكومية.
وعلى الصعيد الاجتماعي، كشف التقرير عن تفاقم مشكلة البطالة، حيث يواجه سوق العمل المغربية تحديات كبيرة، في ظل ارتفاع معدلات البطالة بشكل ملحوظ، خاصة بين الشباب والحاصلين على الشهادات العليا، حيث فشلت البرامج الحكومية في خلق فرص عمل كافية، مما أدى إلى تفاقم المشكلة.
وأرجع تقرير المنظمة ذلك إلى عدة عوامل، منها ضعف النمو الاقتصادي، وعدم ملاءمة مخرجات التعليم لسوق العمل، بالإضافة إلى الفساد والمحسوبية، هذه الأوضاع تؤثر سلباً على الاستقرار الاجتماعي وتزيد من الاحتقان، يؤكد التقرير.
ارتفاع معدلات الفقر
هذا، وأكدت المنظمة النقابية على ارتفاع معدلات الفقر في المغرب بشكل ملحوظ بسبب تزايد البطالة وارتفاع الأسعار، حيث يعاني نظام الدعم الاجتماعي من العديد من الاختلالات، مما يؤدي إلى استبعاد فئات واسعة من المستحقين.
ولتحسين الوضع، دعت المنظمة لإصلاح نظام الدعم الاجتماعي، وزيادة كفاءة الإنفاق العام، وتعزيز فرص العمل، وتحسين الخدمات العامة.
وفي هذا السياق، اعتبر تقرير المنظمة الديمقراطية للشغل على أنه بالرغم من الزيادات الأخيرة في الأجور، إلا ارتفاع الأسعار بشكل كبير، خاصة في المواد الغذائية والطاقة، قد قلل بشكل كبير من قيمة هذه الزيادات.
هذا التفاوت بين الزيادات في الأجور وارتفاع الأسعار أدى إلى تدهور ملحوظ في القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة الطبقات العاملة والمتوسطة، ونتيجة لذلك، زادت التوترات الاجتماعية وازدادت المطالب بزيادة الأجور وتوفير حماية أفضل للمواطنين من ارتفاع تكاليف المعيشة.
مطالب المتقاعدين
واتهم التقرير الحكومة بتجاهل مطالب المتقاعدين بزيادة معاشاتهم بشكل متكرر، على الرغم من الإعفاء الضريبي الذي تم إقراره، إلا أن هذا الإجراء لم يحسن بشكل كبير أوضاع غالبية المتقاعدين، خاصة وأن معاشاتهم لا تزال منخفضة جدًا مقارنة بتكاليف المعيشة المتزايدة.
بالإضافة إلى ذلك، لم يتم تطبيق مبدأ ربط زيادة المعاشات بزيادة الأجور، كما ينص عليه القانون، مما زاد من تفاقم الوضع المعيشي لهذه الفئة.
المنظومة التربوية
أما على مستوى مؤشر المعرفة و التعليم، فرغم المجهودات المبذولة في إصلاح المنظومة التربوية و محاربة الهدر المدرسي، فإن المغرب لازال متخلفا عن الركب، حيث احتل المركز الـ98 عالميا من أصل 141 دولة شملها مؤشر المعرفة العالمي لسنة 2024، الصادر عن و برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وظل المغرب يواجه مجموعة من التحديات، من أبرزها البطالة في أوساط الحاصلين على تعليم عالي متقدم، حيث وضع المملكة في المركز 122 عالميا في مؤشر يقيس نسبة القوى العاملة الحاصلة على مستويات تعليمية عالية، والمركز 138 في المؤشر الذي يقيس نسبة البطالة في صفوف خريجي هذه الجامعات و المعاهد العليا.
كما لازال الهدر المدرسي يمثل إشكالية كبرى تتصدر تقييم المنظومة التعليمية و التربوية بالمغرب، فلازال أكثر من 300 ألف تلميذ و تلميذة، يغادرون فصول الدراسة مبكرا دون شهادة ،علاوة على الهدر الجامعي الذي يرتفع من سنة إلى أخرى لعوامل متعددة اقتصادية اجتماعية و تربوية.
قطاع الصحة
وفيما يخص قطاع الصحة، فقد أكد التقرير على أنه بالرغم من الجهود المبذولة لتوسيع التغطية الصحية، فالنظام الصحي في المغرب يعاني من تحديات كبيرة، فالتفاوت بين القطاعين العام والخاص واضح، حيث يستحوذ القطاع الخاص على الحصة الأكبر من الإنفاق الصحي.
وأرجع التقرير ذلك إلى تدهور الخدمات المقدمة في المستشفيات العمومية، بسبب نقص التمويل والإدارة الفعالة، نتيجة لذلك، يضطر المواطنون إلى اللجوء إلى القطاع الخاص، مما يزيد من الأعباء المالية عليهم، مشددا على أن هذا الوضع يؤثر سلبًا على صحة المواطنين ويضع المغرب في مرتبة متأخرة مقارنة بالدول الأخرى.
قطاع السكن
وفيما يخص قطاع السكن، فقد أكد التقرير على أن سياسة السكن في المغرب تعاني من عدة تحديات، أبرزها بطء وتيرة تنفيذ المشاريع السكنية، خاصة تلك المتعلقة بإعادة إسكان ساكني الأحياء الصفيحية ودعم السكن الاجتماعي.
فبرغم الإعلانات الحكومية المتكررة، لا تزال آلاف الأسر تعيش في ظروف سكنية غير لائقة، سواء في الأحياء العشوائية أو في دور آيلة للسقوط.
كما أن الزلازل الأخيرة كشفت عن هشاشة البنية التحتية السكنية وضعف الاستجابة الحكومية في حالات الطوارئ، بالإضافة إلى ذلك، يعاني المواطنون من ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات، خاصة في المدن الكبرى، مما يزيد من صعوبة تملك سكن لائق.
هذه التحديات تتفاقم بسبب غياب استراتيجية وطنية شاملة للقطاع العقاري، مما يؤدي إلى استغلال المواطنين وتشريد العديد من الأسر، وخاصة في المناطق التي تشهد مشاريع عقارية كبرى.
محاربة الفساد
يشكل الفساد في المغرب عبئًا ثقيلًا على الاقتصاد الوطني، حيث يكلف البلاد ما يقرب من 50 مليار درهم سنويًا، أي ما يعادل نسبة تتراوح بين 3.5% و6% من الناتج الداخلي الخام.
هذا التراجع الملحوظ في مؤشر إدراك الفساد، من المرتبة 73 عام 2018 إلى المرتبة 97 عام 2023، يؤثر سلبًا على مناخ الأعمال ويقلص مداخيل الدولة بنسبة 7.8%.
نتيجة لذلك، يتراجع ترتيب المغرب في مؤشر التنمية البشرية، مما يؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين، وتجدر الإشارة إلى الجهود المبذولة من قبل الهيئة الوطنية للنزاهة، ودعمها لمشاركة المجتمع المدني في مكافحة هذه الآفة.
الحصيلة الحقوقية
يشهد المغرب تقدمًا ملحوظًا في مجال حقوق الإنسان، كما يتضح من فوزه برئاسة مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة والتزاماته الدولية في مجال حقوق الإنسان.
كما حقق تقدماً ملحوظاً في مجال المساواة بين الجنسين، حيث احتل المرتبة الأولى مغربياً في مؤشر الفجوة بين الجنسين، إلا أن هذا التقدم يصطدم بتحديات كبيرة، تتمثل في تراجع مؤشر الحرية الإنسانية وتزايد الانتهاكات ضد الصحافيين والناشطين الحقوقيين.
فبينما يشهد المغرب إصلاحات تشريعية، إلا أن تفعيلها على أرض الواقع يبقى تحدياً كبيراً، حيث أن استمرار هذه الانتهاكات يؤثر سلبًا على صورة المغرب الدولية ويقوض الثقة في مؤسساته.
لذا، فإن مراجعة شاملة للتشريعات والسياسات المتعلقة بحقوق الإنسان، وتفعيل آليات الحماية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، باتت ضرورة ملحة لتعزيز دولة الحق والقانون وحماية الحريات الأساسية.
وفي الأخير، أوصى تقرير المنظمة الديمقراطية للشغل بتدخلات عاجلة و إصلاحات سياسية و اقتصادية، و اجتماعية، و ثقافية، و بيئية عميقة، لمواجهات التحديات الكبرى الداخلية، و الخارجية، و التحولات و المتغيرات الجيوستراتيجية، و البيئية، و الوبائية، والديموغرافية، لتحقيق التوازن، و الاستقرار الاجتماعي، و الاقتصادي، و تعزيز الديمقراطية، و حقوق الانسان، و العدالة الاجتماعية، و توسيع المشاركة السياسية للشباب، و القيام بإصلاحات تشريعية، و تكثيف الجهود على المستوى الحكومي و المؤسساتي.
كما دعا تقرير المنظمة الديمقراطية للشغل للتركيز على إصلاحات عميقة ومستدامة لتشغيل الشباب العاطل خريجي الجامعات و لتحسين ظروف عيش المواطنين، و تحقيق التنمية الشاملة، و المستدامة، واستكمال ورش الحماية الاجتماعية بأبعاده الاجتماعية و الإنسانية كما أوصى بها جلالة الملك ومحاربة البطالة، و الفقر، و الجهل و الأمية، ومن أجل سياسات عمومية و اقتصادية واجتماعية بديلة أكثر فعالية، و تبني حلول شاملة، وحكومة مسؤولة وربط المسؤولية بالمحاسبة، مما يستدعي مزيدا من الجهود لتحقيق الأهداف المرجوة و أهداف التنمية المستدامة.
وفي الأخير، اعتبر تقرير المنظمة على أن الحصيلة الاجتماعية للحكومة المغربية في 2024، تعكس بعض التقدم، لكنها تظهر أيضًا العديد من الإخفاقات التي تستدعي تصحيحًا سريعًا. خاصة محاربة البطالة و الفقر، وتحسين مستوى معيشة السكان بالحد من ارتفاع أسعار المواد الغذائية و المحروقات و أسعار السلع الأساسية، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة و ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لتحسين السياسات الاجتماعية الحالية، و تعزيز الاستثمار في القطاعات الأساسية مثل التعليم، الصحة، و الإسكان.
كما يتعين على الحكومة أن تضع المواطن في قلب اهتمامها، لتشغيل الشباب خريجي الجامعات، والمعاهد العليا والتقنية، وأن تضمن شفافيتها في اتخاذ القرارات السياسية و الاجتماعية لضمان تنمية شاملة وعادلة.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد