هبة زووم – محمد أمين
بين الترحيل الإداري والرحيل الرمزي، يغادر العامل محمد علي حبوها مدينة السعيدية، تاركاً وراءه مفاتيح مدينة كانت يوماً تُلقّب بـ”جوهرة البحر الأبيض المتوسط”، وتحولت في عهده إلى ضحية لعشوائية عمرانية، وتسيّب إداري، وتراجع بيئي وسياحي خطير.
أما من سيخلفه، العامل الجديد الشنوري، فلم يرث فقط سلطة التوقيع، بل ورث إرثاً ثقيلاً من الفوضى، والتردي، والمصالح المتشابكة.
السعيدية، التي يفترض أن تكون واجهة سياحية مشرقة على المتوسط، لم تعد كذلك، فالمدينة تعيش اليوم واقعاً شبيهاً بـ”الصفقات المفتوحة”، حيث تحولت المساحات الخضراء إلى عمارات إسمنتية، وضاعت الهوية المعمارية في زحمة المشاريع العقارية “الفوق قانونية”، بينما ظل سكانها مجرد متفرجين، أو بالأحرى ضحايا.
وإذا كانت البنية التحتية مرآة الحكامة، فإن ما تعيشه السعيدية يكشف عن خلل عميق، لا يمكن اختزاله في ضعف الموارد أو قلة الإمكانيات. الأمر أبعد من ذلك: إنه تواطؤ ممنهج بين سلطات محلية ومصالح اقتصادية، حولت المدينة إلى “بقرة حلوب”، تُستنزف حتى آخر قطرة، ثم تُترك للعطش.
ويبدو أن رحيل العامل حبوها، الذي كان يفترض أن يشكل محطة تقييم ومساءلة لحصيلته، تحوّل إلى لحظة نقل سلس للسلطة، دون محاسبة أو حتى اعتراف بالأخطاء.
مفاتيح المدينة ستسُلّم للعامل الجديد، لكن دون كتيب للإصلاح أو بوصلة للتغيير، فقط ملفات متراكمة وشبهات عالقة.
وحدهم المواطنون، كما العادة، يدفعون الثمن. هؤلاء الذين يشهدون على تآكل مدينتهم، ويحلمون بعودة شمس كانت تشرق يوماً على شواطئ السعيدية المدهشة. أما اليوم، فالشمس غائبة، ولا يظهر في الأفق سوى غبار الجرافات.
ويبقى السؤال مفتوحاً: هل يستطيع العامل الشنوري أن يقطع مع مرحلة التسيب؟ هل سيكون رجل القطيعة مع عهد “أعطيني نعطيك”، أم أنه سيكتفي بممارسة نفس الطقوس في قاعة انتظار الفساد المزمن؟
بين تفاؤل مُرّ وتشاؤم مشوب بالغضب، تنتظر السعيدية مصيرها. والكرة، مرة أخرى، في ملعب السلطة.

تعليقات الزوار