فاجعة تمنار تكتب شهادة فشل جديدة في السلامة الطرقية وهيئة حقوقية تتهم النارسا بالتحول إلى آلة لتحصيل الغرامات

هبة زووم – الرباط
مع كل فاجعة مرورية تسقط فيها أرواح المغاربة على الطرقات، يتجدد النقاش حول أزمة السلامة الطرقية بالمغرب، التي أضحت جرحًا نازفًا يُنذر بما هو أسوأ، في ظل عجز مؤسساتي واضح.
آخر هذه الفواجع، الحادث الدموي الذي شهدته منطقة تمنار، صباح الأربعاء 15 ماي 2025، على الطريق الوطنية رقم 1 بين الصويرة وأكادير، والذي أسفر عن مصرع ثمانية مواطنين وإصابة آخرين بجروح متفاوتة الخطورة.
هذه الفاجعة لم تمر مرور الكرام، فقد دقت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ناقوس الخطر، مُعبرة عن أسفها العميق لتكرار مثل هذه الحوادث المميتة، محمّلة المسؤولية لعدد من المؤسسات التي من المفترض أن تكون حامية لأرواح مستعملي الطريق.
اللجنة رصدت من خلال بيان استنكاري سلسلة من الإخفاقات البنيوية والتقنية واللوجستيكية، سواء على مستوى البنية التحتية، أو الاستجابة الصحية، أو الرقابة الطرقية.
وسجل البيان الوضعية “الكارثية” للمقطع الرابط بين تمنار والصويرة، مرورًا بإيميودار، حيث تكثر المنعرجات الخطيرة والأشغال المتوقفة، في غياب تام لإشارات تحذيرية أو تدابير وقائية.
ما يجعل هذا المحور مصيدة مفتوحة لحوادث مروعة، وهو ما وقع بالفعل في هذا الحادث الذي خلّف مآسي بشرية أليمة.
وانتقدت اللجنة بشدة أداء الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (نارسا)، واصفة إياها بجهاز “لا يرى ولا يسمع”، رغم أن من صميم اختصاصها تتبع النقاط السوداء على الطرق ومواكبة الأشغال التحسينية وتأمين مؤشرات الإنذار المبكر، بدل الاكتفاء بأدوارها في تحصيل الرسوم والغرامات.
هذا الغياب العملي للوكالة، بحسب البيان، يفاقم من هشاشة منظومة السلامة الطرقية ويعمّق الفجوة بين النصوص القانونية والواقع المروري المأساوي.
ولم تسلم وزارة النقل واللوجستيك بدورها من الانتقاد، إذ اعتبر البيان أنها تتحمل نصيبًا وافرًا من المسؤولية في تدهور الطريق الوطنية رقم 1، التي أصبحت وفق ذات المصدر “شبه متهالكة” بفعل غياب الصيانة الدورية وانعدام المعايير التقنية الضرورية.
الجانب الصحي أيضًا كان موضع إدانة شديدة، خصوصًا ما يتعلق بتعامل المستشفى الإقليمي بالصويرة مع ضحايا الحادث، حيث أشار البيان إلى ضعف التجهيزات وانعدام أجهزة أساسية كـ”السكانير”، ناهيك عن التمييز في جودة الخدمات قبل وبعد تغطية وسائل الإعلام.
وذهبت اللجنة إلى حد الحديث عن “معاملة مهينة”، بعدما تم نقل المصابين من غرف نظيفة إلى أخرى مهملة فور مغادرة الصحافة للمكان، بالإضافة إلى تقديم وجبات غير ملائمة وغياب شبه تام للأطر التمريضية.
المأساة دفعت عددًا من أسر الضحايا إلى نقل ذويهم على نفقتهم الخاصة نحو مصحات خاصة، بعد أن تبيّن لهم غياب أي أمل في رعاية عمومية تليق بضحايا نزيف الطرقات.
في ختام بيانها، طالبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بفتح تحقيق عاجل وشامل لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المتقاعسين، مساءلة مسؤولي النقل والصحة والسلامة الطرقية عن الإهمال الواضح، إحداث وحدات صحية متنقلة مزودة بتجهيزات طبية حديثة، تأهيل المستشفيات الإقليمية بشكل استعجالي، وإعادة توجيه مداخيل “نارسا” نحو الاستثمار الحقيقي في الوقاية والبنية الطرقية.
وتحذر اللجنة من أن ما وقع في تمنار ليس حالة معزولة، بل هو نتيجة مباشرة لتراكمات من السياسات الفاشلة والإهمال البنيوي الذي يحوّل كل رحلة طريق إلى رهان على الحياة أو الموت.
أما الدماء التي سالت على الطريق الوطنية رقم 1، فهي ليست فقط ضريبة لحادث، بل شهادة دامغة على فشل منظومة بأكملها، عنوانها الأبرز: نارسا التي لا ترى ولا تسمع.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد