الأطباء يحذرون من “استبدال الأدوية” ويعتبرون مشروع الوزارة مهددًا لسلامة المرضى ومقوّضًا للمسؤولية الطبية

هبة زووم – الرباط
أثار إعلان وزارة الصحة والحماية الاجتماعية عن إعداد “دليل الأدوية الجنيسة” موجة من القلق في صفوف الأطباء العامين بالقطاع الخاص، بعدما رأت التنسيقية النقابية الممثلة لهم أن المشروع بصيغته الحالية ينطوي على مخاطر جسيمة، تمس سلامة المرضى وتضرب في العمق مبدأ المسؤولية الطبية.
فالمشروع الذي يمنح الصيدلي صلاحية استبدال الدواء الموصوف بنظيره الجنيس دون الرجوع إلى الطبيب، بدا للوهلة الأولى خطوة نحو تخفيف كلفة العلاج، غير أن الأطباء حذروا من كونه تحوّلًا خطيرًا في منظومة العلاج، يقوم على أرضية تقنية وقانونية هشة، ويفتقر إلى ضمانات السلامة العلمية والرقابية.
وأكدت التنسيقية النقابية في بلاغها أن العديد من الأدوية الجنيسة المتداولة لا تتوفر على تكافؤ حيوي حقيقي مع نظيراتها الأصلية، بسبب غياب دراسات منشورة ومعايير مراقبة صارمة تضمن الفعالية العلاجية نفسها.
كما أشارت إلى تفاوت جودة التصنيع بين المختبرات المنتجة، واختلاف المكونات الثانوية (Excipients) التي قد تسبب مضاعفات غير متوقعة، خاصة لدى المرضى المزمنين أو المصابين بالحساسيات الدوائية.
وأبرزت التنسيقية أن مراقبة عملية الاستبدال على أرض الواقع شبه مستحيلة في ظل غياب نظام رقمي موحد لتتبع الأدوية، مما يفتح الباب أمام تضارب المسؤوليات والعشوائية في التنفيذ.
كما نبهت إلى أن غياب الصيادلة عن مقرات عملهم في عدد من الصيدليات، وتركها تحت إشراف مساعدين غير مؤهلين، يجعل فكرة “الاستبدال المسؤول” مجرد وهم إداري بعيد عن الممارسة الواقعية، ويهدد حياة المرضى بأخطاء علاجية جسيمة.
وأعربت التنسيقية عن استيائها مما وصفته بـ“المقاربة الفوقية” التي انتهجتها وزارة الصحة في إعداد المشروع دون إشراك فعلي للهيئات الطبية والعلمية، معتبرة أن الملف يتطلب حوارًا علميًا ومؤسساتيًا واسعًا، وليس مجرد قرار إداري في غياب المعنيين بالميدان.
كما نبهت إلى خطورة تطبيق الإجراء في المناطق القروية والنائية التي تفتقر إلى أطباء وصيادلة قارّين، ما قد يحوّل عملية الاستبدال إلى ممارسة عشوائية من طرف أشخاص غير مؤهلين.
وطالبت التنسيقية بتجميد العمل بالمشروع فورًا إلى حين إعداد قاعدة علمية شفافة ومؤسساتية تضمن التكافؤ الحيوي الحقيقي، مع إشراك المهنيين في صياغة الدليل النهائي وتحديد المسؤوليات القانونية بدقة بين الطبيب والصيدلي.
كما دعت إلى تفعيل المراقبة الميدانية وضمان حضور الصيدلي المؤطر بصفة دائمة داخل الصيدلية، مع فرض تكوين إلزامي للمساعدين في مجال السلامة الدوائية.
ويرى مراقبون أن هذا الجدل يعكس عمق الأزمة التي تعيشها السياسة الصحية والدوائية بالمغرب، حيث تتكرر القرارات التقنية دون إشراك فعلي للمهنيين، ما يعزز فقدان الثقة بين الوزارة والفاعلين الطبيين.
كما يثير المشروع تساؤلات حول مدى تأثير لوبيات المختبرات وشركات الأدوية على التوجهات العامة للقطاع، في ظل غياب رؤية وطنية متماسكة تضع مصلحة المريض فوق كل اعتبار.
وختمت التنسيقية بلاغها بالتأكيد على أن الاستعجال في تنزيل مشروع الأدوية الجنيسة دون ضمانات علمية ورقابية واضحة يشكل مقامرة بمصير المواطن، وأن الوزارة ستتحمل كامل المسؤولية عن أي مضاعفات أو اختلالات قد تنجم عن هذا القرار.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد