بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية.. ساكنة الفنيدق تلجأ إلى بيع ممتلكاتها والتخلي عن جذورها بحثا عن فرص أخرى

هبة زووم – حسن لعشير
لقد مر على إغلاق معبر باب سبتة أربع سنوات وعلى مشارف الدخول في العام الخامس، برزت على السطح مظاهر اليأس والقنوط بشكل أكثر حدة في أوساط ساكنة مدينة الفنيدق، مما دفع بالعديد منهم إلى عرض منازلهم ومحلاتهم التجارية للبيع، على أساس الانتقال إلى مناطق أخرى، لعل أن تكون هناك فرصا أفضل للعيش وممارسة التجارة بأريحية.
وأنت تجول وتصول شوارع وازقة مدينة الفنيدق، فأول مشهد تقع عليه أنظارك هو وجود إعلانات ملصقة في أبواب المحلات التجارية والمنازل السكنية تحمل عبارة “محل تجاري للبيع” أو “منزل محفظ للبيع” مع ذكر الهاتف المحمول للاتصال.
إنه مشهد في العديد من شوارع وأحياء الفنيدق منتشرا في كل مكان، منازل كانت مأوى لعائلات لأجيال عدة، ومحلات تجارية كانت تعج بالزبناء، وتدر على أهلها ارباحا طائلة، بفضل الحركة الاقتصادية التي وفرها المعبر الحدودي باب سبتة، أصبحت اليوم مجرد أصول يحاول أصحابها التخلص منها لتأمين السيولة اللازمة للانتقال إلى مناطق أخرى، بحثا عن البديل الحقيقي والعيش الكريم.
هذا التوجه ليس مجرد نتيجة لضائقة مالية عابرة، بل هو انعكاس لأزمة طويلة الأمد أثرت على معيشة السكان بشكل مذهل، وحالت دون إيجاد بدائل اقتصادية فاعلة.
وفي اتصال أجرته جريدة “هبة زووم” بناشط حقوقي بمدينة الفنيدق المتاخمة للحدود مع سبتة المحتلة، لاستفساره عن المشهد البئيس الذي أرخى بظلاله على الحياة الاقتصادية والمعاشية لساكنة الفنيدق، أعرب عن قلقه وتذمره جراء الأوضاع السائدة التي لا تنبئ بوجود أمال في الاستقرار هنا.
وأضاف، ذات المصدر، مؤكدا على أنه “لم يعد هنا مجال للاستمرار، كل شيء توقف بعد إغلاق المعبر الحدودي باب سبتة، والآن لم يبق أمام الساكنة من سبيل سوى التفكير في بيع الممتلكات، حفاظا على السيولة المالية، والبحث عن فرص في مدن أخرى كتطوان، طنجة، العرائش والقصر الكبير، حيث يمكن ممارسة التجارة بأريحية وايجاد حياة أفضل بدل البقاء في مدينة ميتة اقتصاديا واجتماعيا، تجمد فيها كل شيء، بسبب الإغلاق المفاجئ للمعبر الحدودي سنة 2020، حيث تسبب هذا الاغلاق في شلل اقتصادي واسع النطاق، كون أن معظم السكان هنا كانوا يعتمدون على التهريب المعيشي، سواء عبر بيع البضائع المستوردة من سبتة أو توفير خدمات للسياح والمقيمين، وجدوا أنفسهم فجأة بلا مصدر دخل. فصاروا يستهلكون رأس مالهم حتى وصل السكين الى العظام، ومع مرور الوقت، استنفذت الكثير من العائلات مدخراتها، مما دفعهم إلى عرض ممتلكاتهم العقارية للبيع كملاذ أخير وضرورة حتمية”.
وعاد الناشط الحقوقي ليؤكد أن هذه الخطوة لا تأتي بدون عقبات؛ كون السوق العقاري في الفنيدق يعاني من ركود حاد، على الرغم من ارتفاع عدد العقارات المعروضة للبيع، وأن الطلب ضعيف بشكل ملحوظ، كما أن الناس ادركوا جيدا مدى الأزمة التي ضربت التجارة في مدينة الفنيدق.
وفي سياق متصل، أكد وكيل عقاري من ذوي الأصول بالفنيدق، في حديث لجريدة هبة زووم، بخصوص الأوضاع التجارية بالمدينة، أن “الكثير ممن يعرضون عقاراتهم للبيع، اضطروا إلى خفض الأسعار بشكل كبير، لعل أن يكون هناك اقبال على الشراء، ورغم ذلك لا يجدون مشترين بسهولة سوى بعد مخاض عسير”.
وأضاف الوكيل، في ذات الحديث، أن “المستثمرين يخشون من الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة بالفنيدق، والمشترين المحتملين ينتظرون انخفاض الأسعار إلى الأدنى”.
وفي سياق الحدث، اعتبر عدد من المتابعين للشأن المحلي بالفنيدق، أنه رغم كل المحاولات اليائسة لدى الحكومة لتقديم بدائل، من خلال فتح منصة الشباب للتشغيل، فإنها انتهت بالفشل، حيث تم تشغيل بعض المحضوضين موسميا فقط لدر الرماد في العيون ثم بعد ذلك تم طردهم بذريعة فرصة أخرى سنتصل بكم، إضافة الى إنشاء منطقة الأنشطة الاقتصادية في الفنيدق، فإنها لم تحقق الأثر التنموي المنشود حتى الآن.
هذا، فكل المبادرات التي سعت إلى جذب المستثمرين لم تكن هي الأخرى كافية لتعويض الخسائر التي لحقت بالسكان بعد إغلاق المعبرالحدودي باب سبتة.
ويعيش، اليوم، معظم ساكنة الفنيدق حالة من الإحباط المتزايد، حيث لم يتمكنوا من إيجاد فرص عمل بديلة، وهو ما يدفعهم إلى البحث عن مستقبل أفضل خارج مدينتهم.
ويعكس المشهد العقاري في مدينة الفنيدق الأزمة الاقتصادية بأبعادها المختلفة، انخفاض في الطلب، تزايد في المعروض، وأسعار في تراجع مستمر، فيما السكان لا يبيعون ممتلكاتهم فقط، بل يتخلون عن جزء من تاريخهم وجذورهم في مدينة باتت غير قادرة على توفير فرص للحياة الكريمة لهم.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد