هبة زووم – إلياس الراشدي
لا تزال تداعيات الصراعات الداخلية وتغول المصالح الشخصية تعصف بالمشهد الإداري للمعهد الوطني للبحث الزراعي، حيث أصبح هذا الصرح العلمي الذي يُفترض أن يكون رمزًا للابتكار والبحث العلمي رهينة لممارسات لا تمت للكفاءة أو الشفافية بصلة.
ما يثير الدهشة هو أن وزارة الفلاحة، التي كان يُنتظر منها تصحيح المسار بعد إعفاء 13 مديرًا من مناصبهم، دخلت في دوامة جديدة من التجاوزات المشبوهة التي تهدد بإفشال الجهود المبذولة لإعادة هيكلة القطاع.
والمثير للقلق أكثر هو التدخل السافر الذي يقوم به حزب التجمع الوطني للأحرار، والذي يبدو أنه يُحكم قبضته على الوزارة ومناصبها الشاغرة، في مشهد يفتقر لأبسط معايير الحوكمة الرشيدة.
إن ما يحدث حاليًا في المعهد الوطني للبحث الزراعي يعكس أزمة أعمق في تدبير الموارد البشرية داخل الوزارة.
فبدلًا من اختيار الكفاءات العلمية القادرة على النهوض بالمؤسسة، تم الالتفاف على المساطر الإدارية واستغلالها لتثبيت شخصية إدارية محسوبة على تيار سياسي معين، في تجاهل صارخ لترشيحات ثلاثة خبراء أكفاء من أبناء المعهد، الذين كانوا الأجدر بهذا المنصب بناءً على خبرتهم الطويلة ومعرفتهم الدقيقة بطبيعة عمل المؤسسة.
لا يمكن تجاهل دور الوزير السابق للقطاع الفلاحي في هذا السيناريو المثير للريبة. فعلى الرغم من إعفائه بسبب فشله في تدبير القطاع، لا يزال تأثيره حاضرًا بقوة في الكواليس، حيث يبدو أنه يعمل جاهدًا لضمان استمرار نفوذه عبر تعيينات تخدم مصالحه الشخصية والسياسية، على حساب مصلحة القطاع وأطره.
لقد خلفت هذه الممارسات موجة من الغضب والاستياء بين الباحثين في المعهد الوطني للبحث الزراعي، الذين يرون أن المؤسسة تُقاد نحو المجهول.
فبدلًا من أن تكون منارة للبحث العلمي والتطوير الزراعي، باتت المعهد مسرحًا للصراعات السياسية والمصالح الضيقة، مما يهدد بفقدان الثقة في قدرته على أداء دوره الوطني.
أمام هذا الوضع المتأزم، يرفع العاملون في المعهد أيديهم بالدعاء صباحًا ومساءً، متضرعين إلى الله أن يحمي مؤسستهم من التدخلات التي لا هدف لها سوى تحقيق مكاسب شخصية.
كما يناشدون المسؤولين المعنيين بضرورة التدخل العاجل لوقف هذه المهزلة ووضع حد لتغول المصالح الحزبية التي تُعطل مسار التنمية والابتكار في القطاع الزراعي.
إن ما يحدث في المعهد الوطني للبحث الزراعي ليس مجرد أزمة إدارية، بل هو انعكاس لمنظومة مختلة تحتاج إلى إعادة نظر جذرية، فالقطاع الزراعي في المغرب لا يحتمل المزيد من الكوارث، خاصة في ظل التحديات المناخية والاقتصادية التي تواجه البلاد.
إن الإصلاح الحقيقي يبدأ من اختيار الكفاءات ووضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وإلا فإن الثمن سيكون باهظًا، ليس فقط على المعهد، بل على مستقبل الزراعة والتنمية في المغرب ككل.

تعليقات الزوار