أضرضور وتقرير المفتشية العامة الأسود.. لماذا نجا من الإعفاء وتقلد مناصب أعلى؟

هبة زووم – محمد الرباطي
شهد قطاع التربية الوطنية، يوم أمس الثلاثاء 12 مارس الجاري، محطة غير مسبوقة، حيث أقدم الوزير سعد برادة على إعفاء عدد من المديرين الإقليميين، مستندًا إلى تقارير رسمية كشفت عن اختلالات جسيمة في التدبير الإداري والمالي.
ورغم أن هذا القرار لقي ترحيبًا نسبيًا من طرف الشغيلة التعليمية، إلا أنه أثار في المقابل تساؤلات عديدة حول مدى شموليته، وما إذا كان سيقتصر على بعض المسؤولين دون غيرهم، خاصة أن بعض الأسماء النافذة داخل الوزارة لا تزال بمنأى عن أي محاسبة.
لطالما كان إصلاح منظومة التربية والتكوين مطلبًا ملحًا، أكدته الإرادة الملكية في مناسبات متعددة، غير أن الواقع يكشف أن التغييرات التي عرفها القطاع خلال السنوات الأخيرة لم تفلح في كبح جماح الفساد أو تحسين جودة التعليم.
فكيف يمكن الحديث عن إصلاح جذري بينما تستمر نفس النخب التي أدارت مشاريع إصلاحية سابقة – باء معظمها بالفشل – في شغل مناصب مؤثرة داخل المنظومة؟
إن إعفاء بعض المديرين الإقليميين قد يكون خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه يبقى مجرد معالجة سطحية إذا لم يشمل جميع المتورطين في سوء التدبير، سواء على المستوى الجهوي أو المركزي.
فالمحاسبة لا يمكن أن تقتصر على مستويات معينة داخل الوزارة، بينما يتم التغاضي عن شخصيات نافذة، بعضها ورد اسمه في تقارير رسمية موثقة.
ومن بين الأسماء التي يثير غيابها عن لائحة المعفيين الكثير من الجدل، محمد أضرضور، المدير السابق للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الرباط سلا القنيطرة.
فقد صدر في حقه تقرير مفصل عن المفتشية العامة للشؤون الإدارية بتاريخ 26 مايو 2017، تحت رقم 023-01، بناءً على تعليمات الوزير حينها، يدعو إلى إنهاء مهامه بسبب تجاوزات خطيرة، أبرزها:
– التأثير غير القانوني على الصفقات العمومية، حيث تدخل لتغيير نتائج تقييم طلب العروض رقم 5/E/2015 الخاص بصفقة الحراسة (رقم 23/2015/E) لصالح مقاولة بعينها، بعد أن كان من المفترض أن تفوز بها شركتان أخريان.
– عدم احترام المساطر القانونية، من خلال إعداد دفتر شروط تكتنفه الضبابية، مما أدى إلى إضعاف مبدأ التنافسية بين الشركات المتقدمة للصفقة.
– اختلالات في التدبير المالي، عبر مركزة الميزانية وسحب تفويض الاعتمادات من المديرين الإقليميين، إضافة إلى تنفيذ صفقات دون تأشيرة مراقب الدولة.
– قرارات إدارية تعسفية، شملت إعفاءات دون احترام الضوابط القانونية، وتسريب وثائق رسمية لأطراف خارج المنظومة التعليمية.
ورغم خطورة هذه التجاوزات، لم يتم فقط الإبقاء على أضرضور في منصبه، بل مُنح تمديدًا في ولايته، قبل أن يتم تعيينه لاحقًا مديرًا لمديرية الموارد البشرية بالوزارة، وهو المنصب الذي يتيح له سلطة أوسع داخل المنظومة التربوية.
فكيف يمكن تبرير هذه الترقية، في وقت يتم فيه إعفاء مسؤولين آخرين بناءً على تقارير مماثلة؟ وهل يمتلك الوزير الشجاعة الكافية للمضي في الإصلاح؟
إن محاربة الفساد في قطاع التعليم لا يمكن أن تكون انتقائية أو انتقامية، بل ينبغي أن تستند إلى مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بغض النظر عن موقع الشخص أو نفوذه داخل الوزارة.
فإذا كان الوزير برادة قد قرر فتح هذا الملف، فالمطلوب منه الآن أن يذهب إلى أبعد من ذلك، وأن يضع حدًا لسياسة الكيل بمكيالين.
فهل سيتحلى بالجرأة اللازمة لتوسيع دائرة المحاسبة لتشمل كل من ثبت تورطه في اختلالات التدبير، أم أن حملة الإعفاءات ستظل انتقائية، لا تطال إلا من لا يمتلكون حماية داخل دوائر القرار؟
الأيام القادمة ستكشف إن كان ما يحدث هو بداية إصلاح حقيقي، أم مجرد إعادة ترتيب للأوراق دون مس جوهر الفساد داخل المنظومة.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد