هبة زووم – محمد خطاري
شهد قطاع التربية الوطنية، خلال الأيام الأخيرة، زلزالًا إداريًا تمثل في إعفاء عدد كبير من المديرين الإقليميين، وهو ما أثار جدلًا واسعًا بين نساء ورجال التعليم وعلى منصات التواصل الاجتماعي.
هذه القرارات، التي جاءت بشكل مفاجئ ودون مقدمات أو تبريرات رسمية، طرحت تساؤلات عدة حول الدوافع الحقيقية التي تقف خلفها، خاصة وأن بعض الأسماء التي شملها الإعفاء مشهود لها بالكفاءة والنزاهة وحسن التدبير.
فهل يتعلق الأمر باستراتيجية جديدة لإعادة هيكلة القطاع، أم أننا أمام صراع خفي بين أجنحة داخل الوزارة تحاول بسط نفوذها والتحكم في مراكز القرار؟
قرار مفاجئ يثير الجدل
لم تمر قرارات الإعفاء مرور الكرام، بل فجّرت موجة من التساؤلات داخل الأوساط التعليمية، خاصة وأنها لم تسبقها تقارير تفتيشية أو تقييمات علنية للأداء.
واعتبر العديد من المتابعين أن الإعفاءات لم تستند إلى معايير واضحة، مما جعل البعض يذهب إلى أن الأمر قد يكون مرتبطًا بحسابات سياسية أو إدارية، أكثر منه بإجراءات إصلاحية حقيقية.
مصادر مطلعة أكدت لجريدة هبة زووم أن هذه القرارات ليست سوى جزء من إعادة رسم خارطة المسؤولية داخل الوزارة، حيث يعمل المسؤولون الجدد على إبعاد بعض الأسماء وتعويضها بأشخاص محسوبين عليهم، في إطار صراع غير معلن بين تيارات متنافسة داخل القطاع.
وأضافت المصادر ذاتها أن الوزير الحالي يُوصف بالضعف وعدم الإلمام العميق بملفات التربية الوطنية، وهو ما جعل مركز القوة يتوزع بين عدة مسؤولين يحاولون اليوم فرض هيمنتهم وإعادة ترتيب البيت الداخلي وفق أجنداتهم الخاصة.
هل للأمر علاقة بحزب الأحرار؟
في ظل الجدل القائم، طرحت تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الإعفاءات تدخل في إطار محاولة الوزير سعد برادة تعيين أسماء قريبة من حزب التجمع الوطني للأحرار في مراكز القرار داخل الوزارة.
إلا أن مصادر هبة زووم نفت هذا الطرح بشكل قاطع، مؤكدة أن ما جرى هو إبعاد ممنهج لأسماء كانت محسوبة على الكاتب العام السابق للوزارة، يوسف بلقاسمي، الذي كان يُعتبر الرجل القوي داخل وزارة التربية الوطنية لسنوات طويلة.
ورغم أن مغادرة بلقاسمي كان يُنتظر أن تُحدث تغييرات على مستوى تدبير الوزارة، إلا أن ما حدث تجاوز التوقعات، حيث لم يعد النفوذ محصورًا في شخص واحد، بل توزع بين عدة مسؤولين يحاولون فرض بصمتهم من خلال تعيين رجالاتهم في المناصب الحساسة، خصوصًا على مستوى المديريات الإقليمية.
إصلاح أم إعادة توزيع للنفوذ؟
السؤال الأهم الذي يطرحه المتابعون هو: هل هذه الإعفاءات تندرج ضمن رؤية إصلاحية حقيقية للقطاع، أم أنها مجرد إعادة توزيع لمراكز السلطة داخل الوزارة؟
ففي الوقت الذي يتحدث فيه البعض عن ضرورة تجديد الدماء داخل المنظومة التعليمية، يرى آخرون أن ما يحدث هو مجرد تصفية حسابات بين أجنحة مختلفة داخل الوزارة، دون أن يكون لذلك أي تأثير إيجابي على إصلاح التعليم في المغرب.
المثير في الأمر أن الوزارة لم تصدر أي بلاغ رسمي يوضح حيثيات هذه الإعفاءات أو يكشف عن المعايير التي تم اعتمادها في اتخاذ هذه القرارات.
وهو ما يجعل الشكوك تتزايد حول الخلفيات الحقيقية وراءها، خصوصًا في ظل حساسية القطاع وتأثيره المباشر على مستقبل الأجيال القادمة.
المآلات والتداعيات
في غياب أي توضيح رسمي من الوزارة، فإن التداعيات المحتملة لهذه الإعفاءات قد تكون وخيمة، خصوصًا إذا استمرت في خلق حالة من عدم الاستقرار داخل قطاع التعليم.
فإبعاد مسؤولين مشهود لهم بالكفاءة دون تقديم مبررات واضحة قد ينعكس سلبًا على أداء المنظومة، خاصة وأن البدائل التي سيتم تعيينها قد لا تمتلك نفس الخبرة أو الدراية الكافية بتحديات القطاع.
كما أن استمرار حالة الغموض هذه قد يؤدي إلى مزيد من الاحتقان داخل أوساط نساء ورجال التعليم، الذين يرون أن مثل هذه القرارات تُتخذ دون إشراكهم أو مراعاة مصلحة المدرسة العمومية، وهو ما قد يزيد من فقدان الثقة في قدرة الوزارة على تنفيذ إصلاحات حقيقية وملموسة.
الأيام القادمة كفيلة بكشف المستور
أياً كانت الدوافع وراء هذه الإعفاءات، فإن الأيام المقبلة وحدها كفيلة بإظهار ما إذا كانت هذه القرارات تصب في مصلحة إصلاح التعليم أم أنها مجرد إعادة ترتيب للنفوذ داخل الوزارة.
وبينما ينتظر الرأي العام توضيحات رسمية حول الموضوع، تبقى الأسئلة قائمة: هل نحن أمام عملية تصحيح لمسار القطاع؟ أم أن التعليم، كعادته، لا يزال رهينة لحسابات سياسية وإدارية بعيدة كل البعد عن المصلحة الحقيقية للمدرسة العمومية المغربية؟

تعليقات الزوار