هبة زووم – إلياس الراشدي
تحولت مدينة الجديدة، التي كانت تُلقب يومًا بـ”عروس دكالة”، إلى مسرح مفتوح لمشاهد العبث الحضري، بعدما غزت المواشي والدواب شوارعها، وتجولت بكل أريحية في قلب أحيائها الرئيسية، في ظاهرة لا تقل غرابة عن صمت السلطات المسؤولة عنها.
في عهد العامل العطفاوي، باتت مظاهر البداوة تشكّل ملامح يومية للمدينة، التي يفترض أن تكون واجهة حضارية وسياحية لجهة دكالة-عبدة. فبدل الحدائق العمومية والساحات الخضراء التي من المفروض أن تُجمّل الفضاء العمومي، نجد أبقارًا وأغنامًا وبغالًا ترعى في وضح النهار أمام مرأى ومسمع الجميع، ملتهمةً المساحات الخضراء، ومخلفة ورائها الفضلات وروائح العطن، في مشهد يُحرج ساكنة المدينة ويثير استغراب الزوار.
صور صادمة توثق يوميًا هذه الوقائع، التُقطت من أحياء مصنّفة ضمن “الأرقى”، كحي المطار، الزهور، شارع جبران خليل جبران، وساحة الحنصالي، حيث تحوّلت أحزمة الأشجار إلى مراعي عشوائية، و”مناطق خضراء” إلى زُرَيبات مؤقتة.
ورغم التحذيرات والنداءات المتكررة من السكان، تستمر هذه الفوضى دون رادع، في ظل عجز واضح للمجلس الجماعي، وتخاذل شرطة المرافق العمومية، وتقاعس السلطة المحلية.
الخطير في الظاهرة ليس فقط ما تخلفه من تشويه بصري واختناق مروري، بل أيضًا ما تنطوي عليه من تهديدات صحية وأمنية: فالمواشي التي تقتات من حاويات القمامة قد تكون ناقلة لأمراض فتاكة، من بينها داء السعار، ناهيك عن الشكوك الكبيرة في سلامة لحومها، التي قد تجد طريقها إلى موائد المواطنين عبر المسالك غير المراقبة للذبح السري.
ووسط هذا المشهد العبثي، يبدو أن المدينة دخلت مرحلة “التطبيع مع البداوة”، حيث لم تعد صور الماشية وهي تحتل الشارع العام تستفز أحدًا، بل باتت جزءًا من يوميات “عادية” يتعايش معها المواطن الجديدي مرغما، بعدما تخلّى المسؤولون عن دورهم في فرض القانون وحماية النظام العام.
فهل يعقل أن تُترك مدينة ساحلية ذات مؤهلات سياحية واقتصادية رهينة لمظاهر التسيّب والفوضى، دون أدنى تدخل من عامل الإقليم، الذي يفترض فيه التنسيق مع مختلف المصالح من أجل رد الاعتبار للمدينة؟
وإلى متى ستظل الجديدة مجالًا حضريًا بمواصفات قروية، لا يفصل بينه وبين مشاهد المراعي المفتوحة سوى لوحة إدارية عند مدخل المدينة؟
الكرة الآن في ملعب العامل العطفاوي، الذي يُسائل موقعه ومسؤوليته، كما يُسائل صمت السلطة المحلية والمجلس الجماعي، في زمن تتقدم فيه المدن نحو الذكاء البيئي والحكامة الترابية، بينما تتراجع الجديدة إلى مشاهد “ما قبل التمدن”.
تعليقات الزوار