هبة زووم – محمد خطاري
خرج إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في ندوة صحافية حديثة، منتفخ الأوداج كعادته، مدافعًا عن “الاستمرارية” في قيادة الحزب العريق، ومهاجمًا منتقديه الذين اعتبروا أن استمرار قبضته على مفاتيح الحزب لأربع ولايات متتالية هو جوهر الأزمة وليس عرَضها.
لكن في نظر لشكر، العكس تمامًا هو الصحيح؛ فـ”الأزمة” في رأيه تكمن في التداول نفسه، لا في التمادي في القيادة! وكأن الرجل اكتشف نظرية سياسية جديدة تؤسس لمرحلة “ما بعد الديمقراطية”، حيث يتحول مبدأ التناوب إلى خطر، والبقاء في الكرسي إلى فضيلة حزبية!
من التداول إلى “التوريث السياسي”
قال لشكر بالحرف إن “الأزمات التي عاشها الحزب نابعة مما يسمى بالتداول”، في تصريح أثار استغراب المتتبعين وسخرية الرأي العام، إذ جعل من “التداول” على القيادة سببًا في تراجع الحزب، بينما يرى في “الاستمرارية” حلاً سحريًا، مستشهداً بالراحل عبد الرحيم بوعبيد الذي، حسب قوله، “ظل قائداً للحزب إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى”.
لكن المقارنة هنا لا تستقيم، فبوعبيد لم يكن يتشبث بالكرسي بقدر ما كان يُجسّد مرحلة نضالية تاريخية قائمة على القيم والمبادئ، بينما لشكر، في نظر منتقديه، حوّل الحزب إلى شركة سياسية تُدار بعقلية “الرئيس المدير العام”، حيث المناضلون مجرد موظفين، والمؤتمرات مجرد إجراء شكلي لتزكية ما تم الحسم فيه سلفًا.
من حزب بوعبيد إلى حزب إدريس
الغريب أن لشكر لم يلتقط بعد إشارات الواقع السياسي الجديد الذي فرضته حركة “جيل زد”، تلك الموجة الشبابية التي خرجت إلى الشارع تندد بالفساد بكل أشكاله، بما فيه الفساد الحزبي الذي جعل من بعض التنظيمات مجرد “قاعات انتظار” لتوزيع المناصب والمكاسب.
اليوم، قدر حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي أسسه مناضلون قضوا زهرة شبابهم في السجون دفاعاً عن الديمقراطية والتناوب، أن يشهد تحوله من مدرسة فكرية وسياسية رائدة إلى مختبر للتبرير وإعادة تدوير الخطاب السلطوي داخل القوالب الحزبية.
فحين يصبح زعيم الحزب هو من يقرر أن التداول خطر، وأن الديمقراطية الداخلية ترفٌ يمكن الاستغناء عنه، فإن روح بوعبيد ورفاقه لن تجد إلا المرارة في ما آل إليه البيت الاتحادي.
بين نهاية مرحلة وبداية انحدار
الواقع أن إدريس لشكر لم يعد يُناقَش اليوم كقائد حزبي بقدر ما يُمثّل نموذجاً صارخاً للجمود السياسي داخل الأحزاب المغربية.
فالمشكلة لم تعد في من يقود الاتحاد الاشتراكي، بل في الفلسفة التي تُدار بها التنظيمات الحزبية: فلسفة الخوف من التغيير، وتقديس الزعيم، وتحويل الحزب إلى مجرد واجهة انتخابية لا تحمل من إرث الحركة التقدمية إلا الاسم والشعار.
لقد كان بوعبيد يقول: “الاتحاد الاشتراكي فكرة قبل أن يكون حزباً”، لكن إدريس لشكر، يبدو أنه حوّله إلى مؤسسة خاصة شعارها الجديد: “الكرسي أولاً.. والباقي تفاصيل”.
تعليقات الزوار