هبة زووم – ليلى البصري
كانت هدى، ذات الستة عشر ربيعا، جالسة حين أتت إحدى صديقات أمها لزيارتهم، أٰصيبت الام بصعقة و هي ترى ابنتها لا تتحرك من مقعدها و لا تقوم للترحيب بصديقتها الطيبة الفاضلة التي بادرت ببسط يدها لمصافحة هدى، لكنها تجاهلتها و لم تبسط يدها للصديقة الزائرة، وتركتها واقفة باسطة يدها أمام ذهول أمها التي لم تملك إلا أن تصرخ فيها: قومي و سلمي على خالتك، ردت هدى بنظرات لا مبالية دون أن تتحرك من مقعدها كأنها لم تسمع كلمات أمها!
أحست الصديقة بحرج شديد تجاه ما فعلته هدى ورأت في تصرفها مسا مباشرا لكرامتها، وإهانة لها، فطوت يدها الممدودة، واستدارت تريد العودة إلى بيتها وهي تقول: يبدو أنني اتيت في وقت غير مناسب!
هنا قفزت هدى من مقعدها، و أمسكت بيد الجارة و قبلت رأسها وهي تقول: سامحيني يا خالة.. فو الله لم أكن أقصد الإساءة إليك، و أخذت يدها بلطف و رفق و مودة و احترام، و دعتها لتقعد وهي تقول: تعلمين يا خالتي كم أحبك و أحترمك؟!
نجحت بذلك في تطيب خاطر الصديقة ومسح الألم الذي سببته لها بموقفها الغريب، غير المفهوم ، بينما كانت الام تحاول منع مشاعر الغضب من أن تنفجر في وجه ابنتها.
قامت الجارة مودعة، و قامت هدى على الفور، و هي تمد يدها إليها، و تمسك بيدها الأخرى يد جارتها اليمنى، لتمنعها من أن تمتد إليها و هي تقول: ينبغي أن تبقى يدي ممدودة دون أن تمدي يدك إلي لأدرك قبح ما فعلته تجاهك.
لكن الجارة ضمت هدى إلى صدرها، ثم قبلت رأسها و هي تقول: لا عليك يابنتي… لقد أقسمت إنك ما قصدت الإساءة.
ما أن غادرت الجارة المنزل حتى قالت الأم لهدى في غضب مكتوم: مالذي دفعك إلى هذا التصرف؟
قالت: أعلم أنني سببت لك الحرج يا أمي فسامحيني.
ردت أمها: تمد إليك يدها و تبقين في مقعدك لا تقفين لتمدي يدك و تصافحيها؟!
قالت هدى: أنت كذلك تفعلين هذا يا أمي!
صاحت أمها: أنا أفعل هذا؟!
قالت: نعم تفعلينه بالليل و النهار.
ردت أمها في حدّة: و ماذا أفعل بالليل و النهار؟ قالت: يمد إليك يده فلا تمدين يدك إليه!
صرخت أمها في غضب: من هذا الذي يمد يده إليّ و لا أمد يدي إليه؟
قالت هدى: الله يا أمي… الله سبحانه يبسط يده إليك في النهار لتتوبي… و يبسط يده إليك في الليل لتتوبي… و أنت لاتتوبين… لاتمدين يدك إليه، لتعاهديه على التوبه.
هنا صمتت الأم ، و قد أذهلها كلام ابنتها . واصلت الشابة حديثها: أما حزنت يا أمي حينما لم أمد يدي لمصافحة صديقتك! بل خشيت من أن تهتز الصورة الحسنة التي تحملها عني؟ أنا يا أمي أحزن كل يوم و أنا أجدك لاتمدين يدك بالتوبة إلى الله سبحانه الذي يبسط يده إليك بالليل و النهار. يقول النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح : ((إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، و يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها)). رواه مسلم.
فهل رأيت يا أمي: رب العالمين يبسط إليك يده في كل يوم مرتين ، و أنت تقبضين يدك عنه، و لا تبسطينها إليه بالتوبة!
اغرورقت عينا الأم بالدموع.
واصلت هدى: أخاف عليك يا أمي و أنت لاتصلين، و أول ما تحاسبين عليه يوم القيامة الصلاة، و أحزن و أنا أراك تخرجين من البيت دون الخمار الذي أمرك به الله سبحانه، ألم تٰحرجي من تصرفي تجاه جارتنا!؟.. أنا يا أمي أحرج أمام صديقاتي حين يسألنني عن سفورك و تبرجك ، بينما أنا محجبة!
سالت دموع التوبة مدرارا على خدي الأم، و شاركتها ابنتها فاندفعت الدموع غزيرة من عينيها ثم قامت إلى أمها التي احتضنتها في حنو بالغ، و هي تردد: ((تبت إليك يا رب… تبت إليك يارب)).
ليس عيبا ان نراجع تربيتنا و معتقداتنا… قبل ان نفكر في تربية ابنائنا…
وقبل أن نعلم أبنائنا الأدب مع الآخرين علينا أن نتعلم الأدب مع الله أولا…