هبة زووم – محمد أمين
مدينة السعيدية كتب على فئة من سكانها التشبث بأحد الكراسي في قاعة الانتظار، نتيجة ما يحاك ضدها من مكائد للفوز بمدخراتها المالية بالطريقة المعلومة التي ينهجها العامل حبوها والموالين له.
الكل يتذكر وقوف الرئيسة السابقة إيمان مداح نظيفة اليد في وجه العامل حبوها وكانت بالمرصاد لكل من سولت له نفسه التلاعب بالمال العام.
اليوم، الحديث عن مدينة السعيدية أو المدينة المنسية ليس سردا عن مدينة افرزتها حرب عالمية ولا حتى عن منطقة منكوبة ضربها الزلزال أو اجتاحتها كارثة طبيعية أخرى، بل عن مدينة اعتبرت مركز سياحي حدودي، لكنها تعاني حاليا النسيان ونال منها الفساد وأنهكتها سنوات التهميش والإقصاء لسبب ما!!!
تتراءى مدينة السعيدية من مدخلها كأميرة يعلو رأسها تاج المنطقة الحدودية كعروس البحر الأبيض المتوسط لتحلق بك تجليات الهدوء التي يوحي بها المكان إلى سماء الارتياح النفسي، و تداعب جمالية اللوحة الطبيعية ويقبل نسيمها البارد وجنتيك ويرسم فوقهما حمرة ملفتة، فتغوص مخيلتك في عمق الرسم الإلهي الجميل.
وما أن يدغدغ الهدوء دواخلك ويرخي الفضول بظلاله عليك حتى توقظك أول حفرة بالمدينة من وردي أحلامك فيتوالى السقوط المتكرر بالحفر التي وزعت على مختلف الطرقات بما فيه وسط المدينة، وما تفتأ تستيقظ من حلمك وتخطو الخطوات الأولى بداخل لوحتك التي رسمتها سلفا في مخيلتك بأقلام إحساسك وفرشاة بصرك لتتكسر تلك الصورة المزيفة على صخرة عدسة الواقع.
وسرعان ما يتبدد سحر الطبيعة وينجلي جمال الصورة الكاذب أمام صور قصف آليات الحفر وجرافات سياسات التهميش والمشاريع الجامدة و العربات المجرورة بالدواب، حيث اللون الأسود يطغى على مشهد المدينة والاحتجاج الصامت يكسر الهدوء الزائف وبراكين الغضب تشتعل بداخل من لا يزال يملك قلبا وإحساسا صادقا اتجاه أميرة الشاوية، في حين تم تدجين البعض الذين سلموا ضمائرهم قربانا لجشع بعض المسؤولين.
إن القيام بجولة تفقدية بسيطة لسعيدية تبين بالملموس بأن المدينة التي تتردد على أفواه المغاربة كأميرة الجهة الشرقية أشبه بالقرية منها بالمدينة حيث طاعون الحفر المترامية أتى على مجمل الطرقات، ومركز المدينة عبارة عن سوق للباعة المتجولين و أطلال المشاريع خاوية على عروشها وانتشار الدواب و العربات المجرورة يذكر الزائر بالقرى المغربية.
كما ان التعمير زحف على الأخضر واليابس دون أن يوفر أدنى شروط الخدمات المتعارف عليها، بالإضافة أن عدد المقاهي يفوق بكثير حجم هذه المدينة مما يطرح علامات استفهام كثيرة؟
هناك فوارق بين واجهة منمقة للزائر و خلفية تعيش سنوات الضياع، فقد قاومت المدينة الأبية وصمدت طويلا، لكنها في نهاية المطاف قوضت أركانها واقتلعت جذورها التاريخية، فلم يكن للمدينة اليتيمة إلا أن تستسلم لأمرها المحتوم الذي قضي عليها، وآلامها تتضخم يوما بعد يوم، وجراحها غويرة…
واقع خاص من طراز آخر جعل المدينة تفقد كل شيء من أبسط أولويات ومقومات الحياة، لم تعد مدينة بل هي سجن معنوي ومقبرة لمن بقي من أهلها على قيد الحياة، ومن أهلها من اختار الهجرة من أجل حياة كريمة في مدن مجاورة متنكرا لأصله، ومنهم من آثرها سجنا ومقبرة له، مقبرة للجميع للصغير والكبير والشيخ والشاب والرجل والمرأة، والأمي والجاهل والعالم والمبدع…
صدقا، المكتب الجديد لتدبير سفينة السعيدية، أمام امتحان حقيقي للوصول إلى بر الأمان، حيث تبرز عدد من الرهانات التي تنتظرهم كمتطلبات آنية تنتظرها الساكنة التواقة للتغيير، أهمها الوقوف وقفة رجل واحد في وجه العامل حبوها والمصالحة مع ذواتنا أولا ومع مواطنينا ونلعب ” على المكشوف” إن نحن أردنا فعلا أن نجعل من “العملاق المخيف” مجرد جبل جليدي ينصهر أمام أعيننا بكل هدوء.

تعليقات الزوار