هبة زووم – الرباط
أثار وزير العدل عبد اللطيف وهبي موجة من الاستنكار في الأوساط الحقوقية والسياسية بالمغرب بعدما ألقى كلمة أمام لجنة العدل والتشريع في البرلمان، كشف خلالها عن توجهات قد تُعد بمثابة تهديد حقيقي للحقوق والحريات التي نص عليها الدستور المغربي.
التدوينة القاسية التي كتبها محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، كانت بمثابة صرخة مدوية تجاه ما اعتبره محاولات لتقويض مكاسب الديمقراطية المغربية.
وفي كلمته، كشف وهبي عن نواياه في منح “الامتياز القضائي” لرؤساء الجماعات الترابية، في خطوة قال إنها تهدف إلى “إعادة الهيبة للعمل السياسي”.
تصريحات الوزير التي حملت في طياتها دعوة لتكبيل يد النيابة العامة في متابعة جرائم الفساد وحرمان المجتمع والجمعيات من الحق في التبليغ عنها، كانت بمثابة صدمة لعديد من المتابعين، الذين رأوا فيها انتهاكًا للدستور ولأبسط مبادئ العدالة.
وفي هذا السياق، أكد محمد الغلوسي في تدوينته على أن هذه التصريحات تعد بمثابة إعلان عن حالة الاستثناء في البلاد، وهو ما يتعارض تمامًا مع النصوص الدستورية التي صودق عليها في دستور 2011.
وقال الغلوسي: “وزير العدل يعلن عن تعليق أحكام الدستور والقانون والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، ويستند في ذلك إلى أطروحة تشبه تطبيق الأحكام العرفية”.
وأضاف أن تصريحات وهبي تثير القلق، حيث يبدو أن هناك محاولة للهيمنة على البرلمان والتقليل من دوره في مراقبة الحكومة والتشريع، وهو ما يهدد توازن السلطات في المملكة.
وفي تحليله لهذه الوضعية، أشار الغلوسي إلى أن الدستور المغربي، في فصوله المختلفة، يضع قواعد واضحة تؤكد على دور الجمعيات والمجتمع المدني في مراقبة المؤسسات العمومية، وأنه لا يمكن للوزير أن يجهز على هذا الحق بدعوى حماية العمل السياسي أو “إعادة الهيبة”.
وأوضح أن الدستور المغربي يولي أهمية كبيرة لفصل السلطات وتوازنها، وهو ما يضمن استقلالية كل من السلطة التشريعية، التنفيذية، والقضائية، إلا أن الوزير وهبي، وفقًا للغلوسي، يسعى إلى تقويض هذه المبادئ الأساسية ويشجع على استمرار الفساد في النظام السياسي.
ولم يتوقف الغلوسي عند هذا الحد، بل انتقد بشدة محاولات وزير العدل لتجاوز القوانين والاتفاقيات الدولية من خلال محاولة تحصين الفاسدين من المساءلة القانونية، خاصة في ظل وجود عدد كبير من البرلمانيين المتورطين في قضايا فساد، بما في ذلك الاتجار في المخدرات وتبييض الأموال، وهو ما يضع الحكومة في موقف حرج.
وتساءل الغلوسي، كيف يمكن لوزير العدل، وهو في موقع المسؤولية، أن يقف إلى جانب المتورطين في الفساد ويدافع عنهم بدلًا من أن يسعى إلى محاسبتهم؟ وكيف يتوقع أن يحترم الشعب والمؤسسات هذا المسار الذي يعزز الفساد ويقوي اللوبيات المالية؟
وزير العدل، وفي محاولاته لتبرير تصريحاته، دعا إلى تعزيز العمل السياسي وتحقيق الاستقرار السياسي، وهو ما يراه الغلوسي محاولة لتبرير ممارسات الحكومة التي تستفيد من الوضع الراهن، حيث تنتشر ممارسات الريع والفساد داخل المؤسسات، في الوقت الذي يعيش فيه المواطن المغربي أوضاعًا صعبة، من بينها موجات الغلاء واحتكار السلع الضرورية.
وشدد الغلوسي على أن الحكومة، بقيادة وزير العدل، تتجاهل بشكل فاضح الفئات الاجتماعية المتضررة، وتستمر في الدفاع عن مصالح نخبة فاسدة تسيطر على مقاليد السلطة، ما يعمق الأزمات ويزيد من الاحتقان الشعبي، معتبرا أن هذه التصريحات تشكل تهديدًا حقيقيًا لمستقبل البلاد، ليس فقط على مستوى الديمقراطية، بل أيضًا على مستوى السلم الاجتماعي والأمن الداخلي.
وفي ختام تدوينته، أشار الغلوسي إلى أن هذه السياسات قد تقود المغرب إلى مستقبل غامض، حيث تعمق مشاعر الغضب والاستياء في أوساط الشعب.
وأضاف أن الحكومة الحالية بحاجة إلى مراجعة مواقفها والتوقف عن اتخاذ خطوات تقوض المبادئ الأساسية للدستور المغربي الذي يضمن الحقوق والحريات الأساسية لجميع المواطنين.
إن تصريحات وزير العدل تفتح بابًا كبيرًا من الأسئلة حول مستقبل الديمقراطية في المغرب، وتثير تساؤلات حول القدرة على محاربة الفساد في ظل الحماية التي قد تُمنح للمسؤولين المتورطين فيه.
والأمر الأكثر خطورة هو أن هذا التوجه قد يؤدي إلى إضعاف المؤسسات وفتح المجال أمام الاستبداد، وهو ما قد يعصف بكل المكاسب التي تحققت منذ اعتماد الدستور الجديد.

تعليقات الزوار