هبة زووم – متابعات
في خطوة غير مسبوقة، حملت أصداءها الجبال الوعرة لقره قنديل وأروقة القرار الإقليمي، أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK) رسميًا حلّ نفسه، منهياً أكثر من أربعة عقود من التمرد المسلح ضد الدولة التركية، ومُحدثًا هزّة سياسية وأمنية يُرتقب أن تتردد تداعياتها في عموم الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا والعراق.
وجاء الإعلان عبر وكالة “فرات للأنباء”، الذراع الإعلامية المقربة من الحزب، التي نشرت البيان الختامي للمؤتمر الثاني عشر للعمال الكردستاني المنعقد مؤخرًا في شمال العراق.
البيان الذي وصفته الوكالة بـ”التاريخي”، أكد استجابة الحزب لدعوة زعيمه المسجون عبد الله أوجلان، والتي أطلقها نهاية فبراير الماضي، بضرورة إنهاء التنظيم نفسه وجميع أنشطته، بما فيها الكفاح المسلح.
وقال البيان إن “المؤتمر قرر حلّ الهيكل التنظيمي للحزب، وإنهاء الكفاح المسلح وكل الأنشطة التي تتم باسم حزب العمال الكردستاني”، في إعلان يُعدّ الأول من نوعه منذ تأسيس الحزب في أواخر السبعينيات، والذي صنفته تركيا ومعظم الدول الغربية على قائمة التنظيمات الإرهابية.
القرار، رغم مفاجأته الظاهرية، لم يأتِ من فراغ. فالدعوة التي أطلقها أوجلان – الذي يمضي عقوبة بالسجن مدى الحياة في جزيرة إيمرالي – شكّلت تحولًا جوهريًا في خطاب القيادة التاريخية للحزب.
مراقبون يرون أن أوجلان قد يكون تلقى إشارات داخلية أو خارجية بشأن ترتيبات إقليمية جديدة تتطلب إسقاط ورقة “السلاح”، مقابل فرص سياسية قد يعاد طرحها للأكراد داخل تركيا وخارجها.
وفي أنقرة، لم يتأخر الرد الرسمي. فقد رحب عمر تشيليك، الناطق باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، بهذه الخطوة، واصفًا إياها بـ”اللحظة المفصلية” نحو بناء “تركيا خالية من الإرهاب”.
وقال تشيليك في منشور له على منصة “إكس” إن تسليم حزب العمال الكردستاني لسلاحه وحلّ فروعه وهياكله غير القانونية “سيشكّل نقطة تحوّل حاسمة”، مشيرًا إلى أن مؤسسات الدولة ستتابع العملية ميدانيًا، وسترفع تقاريرها مباشرة إلى الرئيس رجب طيب أردوغان.
لكن، وسط هذه التحولات، تظل الأسئلة الكبرى معلقة. هل يعني حلّ الحزب انتهاءًا فعليًا للحرب المفتوحة التي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف منذ الثمانينيات؟ وماذا عن الجناح السوري للحزب، المتمثل في “وحدات حماية الشعب” وقوات سوريا الديمقراطية، الحليف الرئيسي لواشنطن في الحرب على داعش؟ وهل ستُترجم هذه الخطوة إلى تسوية سياسية شاملة للملف الكردي داخل تركيا، أم أنها مجرد فصل تكتيكي في صراع متعدد الجبهات؟
كما يلف الغموض مصير مقاتلي الحزب المنتشرين في المناطق الحدودية الوعرة بين العراق وتركيا وإيران، ناهيك عن شبكاته المدنية والسياسية، التي قد تعيد التموضع تحت أسماء جديدة، كما حدث مرارًا في تجارب سابقة.
المؤكد أن قرار حزب العمال الكردستاني، إن تم الالتزام به فعليًا، لا يُغلق فقط باب مرحلة من العمل المسلح، بل يفتح أبوابًا لسجال إقليمي جديد حول هوية ودور القوى الكردية في مشهد متحول، حيث تُكتب خرائط السياسة كما تُرسم خرائط النار: بتأنٍّ، ووسط أعينٍ لا تغفو.

تعليقات الزوار