هبة زووم – الرباط
أسدلت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط، هذا الأسبوع، الستار على واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في العاصمة، بإصدارها أحكاماً بالحبس والغرامة في حق جميع المتورطين في واقعة “مطاردة سيارات الأجرة لسائق إندرايف”، التي شغلت الرأي العام أواخر دجنبر الماضي.
وقضت المحكمة بـ 8 أشهر حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 50 ألف درهم في حق المتهم الرئيسي، وهو عميد شرطة موقوف عن العمل سبق له أن تورّط في قضية رشوة تفجرت منذ سنتين عبر الرقم الأخضر.
كما أصدرت أحكاماً بـ سنة حبسا لكل واحد من سائقي سيارات الأجرة الأربعة المتورطين في القضية، مع اعتماد الصيغة التالية: 8 أشهر نافذة و4 أشهر موقوفة التنفيذ.
وجاء هذا الحكم بعد جلسات ماراثونية شهدت تقديم النيابة العامة لمجموعة من التهم الثقيلة ضد المتورطين، في مقدمتها الإيذاء العمدي، تعريض حياة الغير للخطر، والسياقة المتهورة، بعدما أعيد تكييف التهم التي كانت في البداية تشمل محاولة القتل ونقل مواطنين بدون ترخيص.
المشهد الذي هزّ شوارع الرباط
وتعود تفاصيل هذه القضية المثيرة إلى أواخر دجنبر الماضي، حين انتشر بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يوثق مطاردة هوليودية في شوارع العاصمة، كان بطلها عدد من سائقي سيارات الأجرة، الذين لاحقوا سيارة خفيفة يقودها سائق يعمل عبر تطبيق “إندرايف”.
وخلال المطاردة، التي انطلقت بعد أن علم السائقون أن سائق “الإندرايف” يقل راكبة في رحلة من محطة القطار أكدال إلى مدينة تمارة، أقدم أحدهم على الارتماء فوق مقدمة السيارة المسرعة في مشهد خطير كاد أن ينتهي بكارثة، حيث واصل السائق السير وسط فوضى مرورية.
وتُظهر المقاطع المصورة السائق وهو يواصل قيادة سيارته بينما يتم سحل السائق المعلّق بها على الرصيف، وسط صرخات المارة وحالة من الذعر في الشارع العام.
التحقيقات التي باشرتها النيابة العامة كشفت عن مفاجأة مدوية، إذ تبيّن أن سائق “الإندرايف” هو عميد شرطة موقوف عن العمل على خلفية قضية رشوة سابقة، وقد لجأ إلى العمل في النقل عبر التطبيقات لتعويض دخله.
وخلال تلك الرحلة المشؤومة، ما إن لاحظ تعقبه من طرف سيارات الأجرة، حتى بادر بإنزال الراكبة التي كانت معه، محاولاً تفادي المواجهة. إلا أن أحد سائقي الأجرة اعترض طريقه بصورة خطيرة، ليقع ما وقع.
ومع اشتداد المطاردة، تدخلت سيارات أجرة أخرى لمحاصرة السيارة، ليتحوّل الشارع العام إلى ساحة مواجهة مفتوحة شهدت تبادلاً للضرب واللكمات بين السائقين وسائق “الإندرايف”، وسط حالة من الفوضى والذعر بين مستعملي الطريق.
سرعان ما تدخلت العناصر الأمنية لتوقيف المتورطين الخمسة، بينما تم حجز جميع المركبات المستعملة في الحادثة وإيداعها بالمحجز البلدي.
أعمق من واقعة.. أزمة قطاع النقل الحضري
تسدل هذه الأحكام الستار القضائي على ملف مطاردة “الإندرايف”، لكنها تفتح في الآن ذاته ملفاً أكبر يتعلق بأزمة قطاع النقل الحضري في المغرب.
فالواقعة تعري هشاشة تنظيم هذا القطاع، حيث تتصاعد حدة التوتر بين سائقي سيارات الأجرة والتطبيقات الذكية، في ظل غياب تشريعات واضحة تنظم العلاقة بين الطرفين، وتغيب فيه حلول مبتكرة تضمن الحق في العمل وتحمي أمن المواطنين.
ويبقى السؤال مطروحاً اليوم على طاولة السلطات: إلى متى ستُترك شوارع المدن المغربية عرضة لمثل هذه مشاهد الفوضى؟ ومتى سيُحسم الجدل حول النقل عبر التطبيقات وفق قانون واضح وعادل يحفظ للجميع حقوقهم، بعيداً عن منطق القوة وفوضى الرصيف؟

تعليقات الزوار