هبة زووم – إلياس الراشدي
في كل مرة نعتقد أن المشهد داخل عمالة مقاطعة الحي الحسني قد بلغ حد العبث، تأتينا المفاجآت من جديد لتثبت العكس، فمن كراسي غير موجودة، إلى أجوبة غائبة، وصولًا إلى قرارات أشبه بالألغاز، تسير الإدارة في عهد العاملة بنشويخ نحو مزيد من الغموض، وكأننا أمام نسخة بيروقراطية من مسرح العبث.
اليوم، تحولت العمالة، حسب متابعين، إلى ساحة تصفية حسابات سياسية، يبدو أن بطلتها ليست سوى العاملة نفسها، التي توجّه بوصلتها نحو هدف واضح: إضعاف بودراع، رئيس مجلس عمالة الدار البيضاء، لصالح البرلماني الشنقيطي، الذي يُنظر إليه ـ بشكل متزايد ـ كـ”عامل فعلي” غير متوّج، يتحكم في دواليب السلطة المحلية بالنيابة.
الوقائع التي تسند هذا التحليل كثيرة، من أبرزها تسخير رجال السلطة ـ وفق اتهامات متواترة ـ لخدمة أجندات انتخابية مكشوفة، وتحريك تقارير انتقائية تستهدف بودراع دون غيره، في حين يتم التغاضي عن ملفات ثقيلة تهم تبديد المال العام واستغلال النفوذ.
وتؤكد مصادر مطلعة أن آخر حلقات هذا الصراع تمثلت في محاولات عرقلة مشروع بيئي كبير في واد بوسكورة، أطلقه بودراع بتكلفة 55 مليون درهم، ويهدف لتحويل المنطقة إلى متنفس إيكولوجي حديث يضم حدائق وممرات وجسور ومرافق رياضية.
ورغم أن المشروع لقي ترحيبًا من ساكنة الحي الحسني، ويمثل قفزة نوعية في البنية البيئية للمنطقة، إلا أن الضغوط التي تحوم حوله لا يمكن فهمها خارج سياق الصراع الخفي بين رئيس المجلس والعاملة، في وقت تشير فيه بعض التقارير إلى أن كل خطوة يقوم بها بودراع تُقابل بمحاولات للتشويش أو التأخير.
والسؤال المشروع اليوم: هل تحولت الإدارة الترابية من سلطة محايدة إلى فاعل سياسي يخوض المعارك بالوكالة؟ وهل أصبحت مصالح الساكنة رهينة لحسابات حزبية ضيقة يتحكم فيها “صاحب اليد الطولى” أو من “يملك صلات أوثق”؟
مؤسف أن تتحول عمالة الحي الحسني، وهي من بين أكبر مناطق الدار البيضاء من حيث الكثافة السكانية، إلى مسرح لتجاذبات تفتقر إلى الحد الأدنى من الحكمة المؤسساتية.
فبدل الالتفات إلى التنمية المندمجة، وتجاوز الاختلالات البنيوية، يتم تصفية الحسابات بالتحريض والتقارير والعرقلة الإدارية، ما يجعل من المشروع التنموي الحقيقي رهينة لأجندات صغيرة.
والأدهى من ذلك، أن قطاعات واسعة من الفاعلين، بمن فيهم منتخبون ونخب محلية، اختاروا الصمت، أو اكتفوا بالحياد السلبي، وكأن الحي الحسني لا يعنيهم، تاركين الساحة لمجموعة من “المناضلين الموسميين” و”المبتزين السياسيين”، ممن حوّلوا العمل العمومي إلى تجارة في التأثير والصفقات.
إن اللحظة تقتضي المصارحة: التنمية لا تبنى بالشعارات، ولا بالإقصاء، بل بتكافؤ الفرص، واحترام المؤسسات، وتحصين الإدارة من التسييس.
والمطلوب اليوم ليس فقط فتح تحقيقات نزيهة حول شبهات تبديد المال العام، بل ضمان عدم استغلال أجهزة الدولة في تصفية الحسابات، وترسيخ مبدأ أن لا أحد فوق القانون مهما علا نفوذه.
فالسلطة حين تُستخدم ضد منجز، لا تختلف كثيرًا عن الفساد حين يُستخدم لتدمير ما بُني.. وما نحتاجه اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو إدارة تحكمها الكفاءة، لا الولاء، وتحركها المصلحة العامة، لا الحسابات الصغيرة.

تعليقات الزوار