هبة زووم – محمد خطاري
في خطوة لافتة، وجه الفريق الحركي بمجلس النواب طلبًا إلى رئيس لجنة القطاعات الإنتاجية من أجل القيام بمهمتين استطلاعيتين برلمانيتين، تتعلق الأولى بالاختلالات المرتبطة بتسويق اللحوم الحمراء وغياب ضبط الأسعار، والثانية بتركيبة أسعار السمك وآليات المراقبة.
هذه المبادرة، وإن كانت تبدو في ظاهرها تحركًا رقابيًا يستجيب لانشغالات الرأي العام، إلا أنها تثير تساؤلات حول دوافعها الحقيقية، خاصة في ظل موقع حزب الحركة الشعبية في المشهد السياسي الحالي، وعلاقته بالحكومة من جهة، والمواطنين الذين يئنون تحت وطأة الغلاء من جهة أخرى.
معارضة حقيقية أم ركوب على موجة الغضب الشعبي؟
لا يمكن فصل هذا التحرك عن السياق العام الذي يعيشه المغرب، حيث تشهد أسعار المواد الغذائية الأساسية، وعلى رأسها اللحوم الحمراء والأسماك، ارتفاعًا غير مسبوق، وهو ما خلق موجة من الغضب الشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي، وانتقادات لاذعة للحكومة بسبب عجزها عن ضبط الأسواق وتوفير حلول عملية لحماية القدرة الشرائية للمواطنين.
وفي هذا المناخ المشحون، يأتي تحرك الفريق الحركي كمحاولة للتموقع داخل المشهد السياسي، وركوب على الموجة التي تجتاح الشارع المغربي.
فالحركة الشعبية، التي صنفت نفسها ضمن أحزاب المعارضة بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2021، لم تكن دائمًا في موقع المعارض الشرس، بل أظهرت مواقف متساهلة مع الحكومة في العديد من المحطات، بما في ذلك التصويت لصالح مشاريع قوانين مثيرة للجدل، مثل قانون الإضراب، الذي كان موضوع انتقادات واسعة من طرف النقابات والفعاليات الحقوقية.
هل تغيرت مواقف الحزب أم أنها مجرد تكتيكات سياسية؟
منذ تشكيل الحكومة الحالية بقيادة عزيز أخنوش، ظلت الحركة الشعبية أقرب إلى المعارضة الناعمة، حيث لم تدخل في صدام مباشر مع الحكومة إلا في حالات نادرة.
وبدل أن تتبنى مواقف تصعيدية تجاه اختيارات السلطة التنفيذية، فضلت أحيانًا لعب دور الوسيط أو الناقد المعتدل، وهو ما جعلها تتماهى مع الأغلبية في بعض الملفات الجوهرية.
لكن مع تصاعد الضغط الشعبي بسبب الأزمة الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة، وجدت الأحزاب المعارضة نفسها مضطرة إلى التحرك، وهو ما يفسر تقديم طلب المهمتين الاستطلاعيتين في هذا التوقيت بالذات.
فالحديث عن الاختلالات في سوق اللحوم الحمراء والأسماك ليس جديدًا، بل هو ملف قديم ظل يُطرح بين الفينة والأخرى دون حلول حقيقية، مما يجعل البعض ينظر إلى هذه المبادرة كمحاولة لتلميع صورة الحزب أمام الناخبين أكثر من كونها خطوة حقيقية لإيجاد حلول عملية.
الملف الاجتماعي كورقة سياسية
ليس خافيًا أن الأحزاب السياسية غالبًا ما تلجأ إلى استغلال الملفات الاجتماعية الحساسة كوسيلة للضغط أو كسب النقاط السياسية، خاصة مع اقتراب المواعيد الانتخابية.
والأسعار، باعتبارها من أكثر القضايا التي تؤثر على الحياة اليومية للمواطن، أصبحت ورقة رابحة يمكن توظيفها لمهاجمة الحكومة أو لخلق رأي عام داعم.
وبالنظر إلى تركيبة سوق اللحوم الحمراء في المغرب، فإن المشكل لا يرتبط فقط بالوسطاء والمضاربين، بل يشمل أيضًا اختلالات في الإنتاج المحلي، وارتفاع كلفة الأعلاف، وتأثير الجفاف، وهي عوامل ساهمت بشكل مباشر في الارتفاع الكبير للأسعار.
أما بخصوص سوق الأسماك، فإن المغرب، رغم توفره على واجهتين بحريتين وكونه من كبار مصدري المنتجات البحرية، لا يزال يعاني من اختلالات بنيوية في التوزيع، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر في الأسواق الداخلية.
هل ستكون الخطوة مجرد استعراض؟
رغم أهمية المهمتين الاستطلاعيتين اللتين طالب بهما الفريق الحركي، فإن مدى جديتهما وفعاليتهما سيظل مرهونًا بقدرة الحزب على فرض متابعة حقيقية لنتائج التحقيق، ودفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة.
فالتجارب السابقة أثبتت أن العديد من اللجان الاستطلاعية التي شكلها البرلمان لم تؤدِ إلى نتائج عملية، بل اكتفت بإصدار تقارير توضع على الرفوف دون أن يكون لها أثر مباشر على الواقع.
والمواطن المغربي، الذي يعاني اليوم من تداعيات الغلاء وتراجع القدرة الشرائية، لم يعد يكتفي بالتصريحات السياسية أو بتحركات ذات طابع إعلامي، بل ينتظر إجراءات حقيقية تساهم في خفض الأسعار وإصلاح الاختلالات الموجودة في الأسواق.
وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل سيترجم هذا التحرك إلى حلول عملية، أم أنه سيكون مجرد خطوة أخرى في مسلسل الاستعراض السياسي الذي ألفه الشارع المغربي؟
وفي الأخير، تبقى الكرة في ملعب الحركة الشعبية لإثبات مدى جدية هذا التحرك، إما عبر تقديم مقترحات عملية قابلة للتنفيذ، أو من خلال تتبع نتائج التحقيقات البرلمانية ودفع الحكومة إلى تبني حلول حقيقية.
أما إذا تبين أن الأمر مجرد خطوة تكتيكية لاستغلال الغضب الشعبي، فإن ذلك لن يزيد المواطنين إلا مزيدًا من الإحباط تجاه الطبقة السياسية، التي لا تزال في نظر الكثيرين عاجزة عن تقديم حلول حقيقية لمشاكلهم اليومية.

تعليقات الزوار