هبة زووم – محمد خطاري
في مشهد يعكس عمق الارتباك داخل التحالف الحكومي، وجد المتابعون أنفسهم في حيرة بين خطابين رسميين صادرين عن نفس الأغلبية، لكنهما يسيران في اتجاهين متناقضين.
فمن جهة، رئيس الحكومة وزعيم حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، يرفع من العيون شعارات الانتصار في “معركة ضد الفقر والهشاشة”، ويؤكد مضي الحكومة في “مسار الإنجازات” بكل ثقة.
ومن جهة أخرى، يأتي نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء، ليقلب الطاولة، معلناً أمام مجلسه الوطني أن “الحكومة فشلت في الوفاء بأحد أبرز التزاماتها: خلق مليون منصب شغل”.
بهذا التصريح الصريح، لم يكتف بركة بكسر جدار المجاملة، بل كشف عمق التناقضات داخل سفينة حكومية يُفترض أنها تبحر بتنسيق واتساق.
فبينما يتحدث أخنوش عن الإنصات والتجاوب وتحقيق الطموحات، يعلن شريكه في التحالف أن ما تم الالتزام به لم يعد قابلاً للتحقيق، وبأن الحقيقة لا بد أن تُقال للمغاربة، حتى وإن كانت مرّة: “صافي، ميمكنش نحققو مليون منصب شغل من هنا لـ2026”.
الارتباك لم يتوقف عند سقف التشغيل، بل طال أيضا ملف الأسعار. فبركة، الذي انتقل من نبرة المصارحة إلى نبرة الاتهام، تحدث عن “جشع مضارباتي” وعن “أرباح مفرطة” يحققها وسطاء غير مواطنين على حساب جيوب المواطنين، في إشارة ضمنية إلى عجز الحكومة عن ضبط السوق، ما يناقض الرسائل الوردية التي يقدمها رئيسها.
وبين نبرة المنتصر في العيون، ولغة الاعتراف في الرباط، يتساءل المواطن المغربي: أي خطاب نصدق؟ وهل نحن أمام حكومة واحدة فعلاً؟ أم أمام تحالف شكلي يتقاسم المناصب ويختلف حول الأرقام والوقائع؟
الأكثر دلالة، أن بركة ختم رسائله التحذيرية بالتنبيه إلى خطر “الصراع المبكر على المرتبة الأولى” في الانتخابات القادمة، وكأنه يُحذر من سباق انتخابي مبكر داخل الحكومة نفسها، قبل حتى أن تنهي ولايتها، ما قد يؤثر سلباً، كما قال، على “مصالح المواطنين”.
وهكذا، يتكشف واقع سياسي مقلق: حكومة تتحدث بلغتين، ورجالاتها يشتغلون بأجندات متباينة، ووعود البرنامج الحكومي تتساقط تباعاً، مثل أوراق الخريف.
فيما المواطن، الحلقة الأضعف، يبقى في المنتصف، تائهاً بين الأرقام المتفائلة والاعترافات المتأخرة، حائراً: من يقول الحقيقة؟ ومن يسوق الوهم؟ وهل فعلاً ما يجمع هذه الأغلبية أكثر مما يفرّقها؟

تعليقات الزوار