هبة زووم – طنجة
في خطوة جديدة تثير الكثير من التساؤلات حول تصور الدولة للجهوية الثقافية الموعودة، صَدَرَ بالجريدة الرسمية قرار مشترك بين وزير الشباب والثقافة والتواصل، والوزير المنتدب لدى وزارة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، يُحدّد تسعيرة جديدة وصادمة لكراء فضاءات قصر الثقافة والفنون بطنجة، التابع للوزارة التي يُديرها الوزير المهدي بنسعيد.
القرار دخل حيز التنفيذ منذ السادس من يونيو الجاري، ليرفع أسعار كراء القاعات بشكل غير مسبوق: القاعة الكبرى أضحت تُكترى بـ30 ألف درهم (3 ملايين سنتيم)، بعدما كانت لا تتعدى 3000 درهم. القاعات الصغرى بـ7000 درهم، قاعة المؤتمرات بـ5000 درهم، وقاعة عروض الفنون التشكيلية بـ3000 درهم لليوم الواحد.
ورغم أن المسألة المالية في حد ذاتها ليست العيب الأكبر، إلا أن الأوساط الثقافية والفنية في طنجة تُعبّر عن امتعاضها العميق من سياسة تُقصي الفاعلين المحليين الذين صنعوا، بأدوات بسيطة وإرادة صلبة، جزءاً كبيراً من المشهد الثقافي الذي عُرفت به المدينة لعقود.
“المشكل ليس في الأثمنة بل في العقلية”، هكذا يعلق أحد النشطاء الثقافيين في طنجة، مضيفاً: “الوزير بنسعيد يُقدّم هذا القصر اليوم كفضاء فاخر يُفتح فقط لمن يدفع أكثر، متجاهلاً الفعاليات الثقافية والمجتمع المدني الطنجاوي الذين راكموا تجربة غنية رغم قلة الإمكانيات”.
لسنوات، ساهم الفاعلون الثقافيون المحليون، بتعاون مع السلطات المنتخبة أحياناً ومع السلطات المحلية أحياناً أخرى (ونادراً مع الوزارة الوصية)، في بناء صورة طنجة الثقافية كمدينة منتجة للإبداع، لا كسوق استهلاكية لمنتجات ثقافية مستوردة.
غير أن هذا التوازن بدأ ينهار منذ افتتاح قصر الثقافة والفنون. فبدلاً من أن يكون منصة لدعم المواهب المحلية وفضاءً مفتوحاً للجمهور الطنجاوي، بات القصر يُسوَّق كقاعة أفراح أو كمنصة احتفالية تجارية: شركات متخصصة تنظم سهرات ومناسبات بأسعار خيالية، تُباع تذاكرها بأسلوب السوق المفتوحة، دون أي اعتبار للمضمون الثقافي الحقيقي.
وفي حالات أخرى، تُقدّم عروض موسيقية أو فكاهية مموّلة بسخاء من وزارة الثقافة نفسها، لكن الفاعلين والمنتجين المحليين يُقصون بشكل شبه كامل، وهو ما تؤكده قائمة المستفيدين من دعم الوزارة، حيث تأتي مدينة طنجة في مرتبة دنيا مقارنة مع مدن أخرى.
ويطرح هذا الواقع سؤالاً جوهرياً: هل يعلم وزير الثقافة أن طنجة اليوم صارت، بفعل هذه السياسات، مدينة مستهلكة للثقافة لا منتجة لها؟
بل أكثر من ذلك، هل يعكس هذا القرار المشترك بين وزارة الثقافة ووزارة المالية حقاً مفهوم الجهوية الموسعة التي يُفترض أنها تُمكّن المدن من إدارة شؤونها الثقافية بناءً على خصوصياتها وحاجيات فاعليها المحليين؟
في غياب أجوبة واضحة من الوزارة، يبدو أن طنجة ومجتمعها الثقافي أمام مرحلة جديدة قد تُعمّق الفجوة بين المؤسسات الرسمية وبين النسيج الثقافي المحلي، الذي لطالما اعتبر الثقافة حقاً عاماً، لا سلعة فاخرة تُباع في قاعات مغلقة.

تعليقات الزوار