حسن غربي – الحسيمة
تعيش المديرية الإقليمية للتربية الوطنية بالحسيمة على صفيح ساخن، بعد تفجّر واحدة من أخطر القضايا التي تهدد نزاهة المنظومة التعليمية، والمتمثلة في ملف ما بات يُعرف بـ “الموظفين الأشباح”، الذين يتقاضون أجوراً شهرية من المال العام دون أن تطأ أقدامهم مقرات العمل أو يؤدوا أي مهام فعلية.
مصادر تربوية موثوقة كشفت أن المدير الإقليمي للتعليم متهم بالتستر على مجموعة من هؤلاء الأشباح، بينهم زوجته التي استفادت، حسب المعطيات المتداولة، من تكليف غير قانوني تم بموجبه إدراجها ضمن لائحة الفائضين دون أن تلتحق بأي مؤسسة تعليمية، في وقت جرى تعويضها بأستاذ آخر في ظروف وُصفت بـ”المشبوهة”.
وتؤكد المصادر ذاتها أن هذا السلوك يشكل خرقاً فاضحاً لمبدأ تكافؤ الفرص والشفافية في تدبير الموارد البشرية داخل قطاع التعليم.
الفضيحة لم تتوقف عند هذا الحد، إذ تشير المعطيات إلى أن عدداً من أقارب المدير الإقليمي استفادوا من مناصب وتكليفات داخل المديرية على أساس القرابة والمحسوبية، لا على أساس الكفاءة أو الاستحقاق، ما يعكس، وفق المتتبعين، توغلاً خطيراً لثقافة “الزبونية” في مؤسسة يفترض أن تكون نموذجاً للنزاهة والانضباط.
كما طالت الاتهامات بعض رؤساء الأقسام المحسوبين على تيارات سياسية، والذين يُشتبه في تدخلهم لتسهيل استفادة زوجاتهم من وضعيات “موظفات أشباح”، بل وصل الأمر، بحسب المصادر ذاتها، إلى ترتيبات مالية مشبوهة وتقاسم “وزيعة” الأجور دون أداء المهام الحقيقية، في خرق صريح للقانون وإساءة لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
هذا الواقع، الذي وصفه فاعلون تربويون بـ“الفضيحة الأخلاقية والإدارية”، يطرح علامات استفهام عريضة حول صمت الوزارة الوصية وتباطؤها في فتح تحقيق رسمي، رغم خطورة ما يجري داخل مرفق عمومي يُمول من جيوب دافعي الضرائب.
وطالب مهنيون وحقوقيون وزير التربية الوطنية بالتدخل العاجل لإيفاد لجنة تفتيش مستقلة، لرفع الستار عن هذه الممارسات التي تهدد مصداقية الإدارة التربوية، ومحاسبة جميع المتورطين مهما كانت مواقعهم، تأكيداً على أن المال العام ليس إرثاً عائلياً ولا مجالاً للمحاباة.
في النهاية، تبدو مديرية الحسيمة أمام امتحان حقيقي: فإما أن تُستعاد هيبة القانون ويُطوى عهد “الأشباح” و”الامتيازات العائلية”، أو أن يستمر نزيف الثقة في المؤسسات، وتتحول المدرسة العمومية إلى مرآة لعجز الدولة عن فرض الانضباط في صفوف موظفيها.
تعليقات الزوار