بوزنيقة تحت قبضة الفوضى: حين يتحول ممثلو السلطة إلى “خيال مآتة”

هبة زووم – محمد خطاري
تحولت مدينة بوزنيقة، في سابقة خطيرة وغير مفهومة، إلى فضاء مفتوح على الفوضى والتسيب، وسط غياب شبه تام لأي مراقبة من السلطات المحلية، وفي تحدٍّ صريح لمذكرات وزارة الداخلية التي ما فتئت تؤكد على ضرورة صيانة النظام العام وحماية الملك العمومي.
المدينة التي كانت إلى وقت قريب توصف بـ”الهادئة”، أصبحت اليوم ترزح تحت نفوذ شبكة من المتربحين من العملية الانتخابية، الذين يتعاملون معها كأنها غنيمة انتخابية لا مدينة يسكنها بشر.
الغريب في الأمر أن ممثل وزارة الداخلية في الملحقة الإدارية الثانية، الذي لا يفصل مكتبه سوى أمتار قليلة عن واحدة من أكثر المناطق تضررًا من الفوضى ــ “منطقة الرياض”، الممتدة من صيدلية الرجاء في الله إلى مسجد بيكمار ــ بات أقرب إلى “خيال مآتة”: لا يهش ولا ينش، لا يرى ما يحدث، ولا يسمع شكاوى المواطنين، ولا يتدخل حين تنهار هيبة الدولة على أرصفة محتلّة وأسواق عشوائية تتحدى كل القوانين.
الزائر لتلك المنطقة يدرك فورًا أن الأمور خرجت عن السيطرة. عربات تحتل الأرصفة، كراسي منصوبة وسط الشارع، فوضى عارمة في السير والجولان، وتغول واضح لأشخاص لا يبدو أن في حساباتهم كلمة “قانون”، كل يغني على ليلاه، وسط صمت مريب من الجهات المفروض فيها فرض النظام وفرض هيبة الدولة.
من المسؤول عن هذا الانفلات؟ هل هو العامل الحسن بوكوطة الذي يفضل إدارة المدينة عن بعد، أو بالأحرى تجاهلها عن قرب؟ أم أن المشكلة أعمق، وتتعلق بعلاقة ملتبسة بين السلطة ومريدي “كبيرهم الذي علّمهم السحر”؟ فالكل في بوزنيقة يتحدث عن “المسامير” التي تُثبت منظومة الفساد، وتمنع أي محاولة إصلاح، حتى بعد سقوط رأس شبكتهم في قبضة العدالة.
ما يدعو للدهشة ــ أو بالأحرى للأسى ــ هو أن مذكرات وزارة الداخلية، والتي تُلزم رجال السلطة بمحاربة احتلال الملك العمومي، وتنظيم الفضاءات العمومية، تُعامل في بوزنيقة كما لو أنها قصاصات بلا قيمة، لا حملات تحرير، ولا إنذارات، ولا استدعاءات، وكأن المدينة قد نُزعت من سلطة القانون، وأُهديت على طبق من ذهب لمجموعة من الانتهازيين.
الأدهى من ذلك، أن أصوات السكان بدأت تتعالى، وهي تطالب بتدخل عاجل من الجهات المركزية، بعدما فقدوا الثقة في المسؤولين المحليين، وعلى رأسهم من يفترض فيه أن يكون ممثلاً حقيقيًا للداخلية في الإقليم.. هؤلاء السكان لا يطلبون معجزات، فقط تطبيق القانون واسترجاع أبسط معاني “النظام العام”، في مدينة أصبحت عنوانًا صارخًا على غياب الدولة.
في كل هذا المشهد العبثي، لا يمكن تجاهل تساؤل مشروع: هل فقدت وزارة الداخلية السيطرة على بعض ممثليها الترابيين؟ أم أن ما يحدث في بوزنيقة يعكس نموذجًا محبطًا لعلاقة متآكلة بين السلطة المحلية ومفهوم المسؤولية؟ ولماذا تتحول بعض المدن إلى “إقطاعات انتخابية” بدل أن تكون فضاءات للعدالة، والتنمية، والكرامة؟
إن ما يجري في بوزنيقة لا يهدد فقط صورة المدينة، بل يقوّض الثقة في الدولة، ويؤسس لواقع خطير تصبح فيه القوة هي القانون، والسكوت هو القاعدة، والانتهازي هو الزعيم.
إنها لحظة فارقة تستدعي تدخلًا حازمًا لإعادة الأمور إلى نصابها، قبل أن يستفحل الوضع أكثر، وتتحول بوزنيقة إلى “دولة داخل الدولة”.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد